للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجلبان»، فقالوا: «نعوذ بالله من ذلك يا أمير كبير»؛ ثم اشتوروا الأينالية فى بعضهم، وقالوا: «هذا صهر أستاذنا، كون أنه متزوّج ببنت العلاى على بن خاص بك»، فقالوا: «لا تمربغا، ولا خاير بك، أنت تكون سلطانا»، فتمنّع من ذلك غاية الامتناع، فركبوا معه، وطلعوا إلى الرملة، فقويت شوكة (١) قايتباى، واجتمع معه طائفة الظاهرية والأشرفية والأينالية، فراج أمره؛ فلما طلعوا إلى الرملة، برز يشبك من مهدى، كاشف الوجه القبلى، مع جماعة من العسكر، فملكوا باب السلسلة من غير مانع، وسلّم المدرج، وباب الميدان.

فبينما خاير بك فى أمره ونهيه، فبلغه ما وقع لقايتباى، وأنّ العسكر قد التفّ عليه، وترشّح أمره إلى السلطنة، فاضطربت أحواله، وضاق الأمر عليه؛ فعند ذلك أخرج الظاهر تمربغا من المخبأة، التى تحت الخرجاة، وأجلسه على مرتبته، وأعاد إليه المنجاة والترس، ثم انبطح بين يديه، وقال له: «قم اقتلنى بيدك، فإنى كنت باغيا (٢) عليك»، فقال له الظاهر تمربغا: «طمّن خاطرك يا أمير دوادار، لا أنا، ولا أنت، بقى لنا إقامة، وإنّ السلطنة لقايتباى».

فلما طلع النهار، وأشرقت شمس يوم الاثنين، انكسرت الخشقدمية، فطلع يشبك من مهدى، وتمراز الشمسى، إلى القلعة، فقبضوا على الظاهر تمربغا، وأدخلوه قاعة البحرة، ثم قبضوا على خاير بك، وابن العينى، وقيّدوهما فى الحال، وأدخلوهما فى الركبخاناة التى تحت القصر، وترسّم عليهما قرقماس الصغير الأينالى، وأدخلوا معهما عبد الكريم مهتار الطشتخاناة، الذى كان بخدمة الظاهر خشقدم؛ ثم طلع الأتابكى قايتباى إلى باب السلسلة، وجلس بالمقعد، وأشرف على السلطنة، وانحلّ أمر الخشقدمية، وزالت دولة الظاهر تمربغا، كأنها لم تكن، فكان كما يقال فى المعنى:

قليل الحظّ ليس له دواء … ولو كان المسيح له طبيبا


(١) شوكة: شوكت.
(٢) باغيا: باغى.