للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمرهم بأن يهجموا على الظاهر تمربغا، ويقبضوا عليه، وعلى من عنده من الأمراء الظاهرية، فهجموا عليه، وكسروا باب الخرجاة، ودخلوا إليه، فأقاموه من على مرتبته، وسحبوه غصبا، وأنزلوه فى المخباة التى تحت الخرجاة، وأنزلوا معه جانى بك قلقسيز، وتغرى بردى ططر، وتمر حاجب الحجّاب.

فلما قبضوا على السلطان وسجنوه، أحضروا النمجاة والترس لخاير بك، وترشّح أمره بأن يلى السلطنة، فتوضّأ (١)، وجلس على كرسى المملكة بالقصر الكبير؛ ثم إنّ جماعة من الخشقدمية قبّلوا له الأرض، وتلقّب بالملك الظاهر، كلقب أستاذه الظاهر خشقدم، وقيل تلقّب بالملك العادل؛ فأول من قبّل له الأرض الشهابى أحمد بن العينى، فقرّره فى إمرة السلاح؛ وقرّر جماعة كثيرة من الخشقدمية، كل أحد فى وظيفة تليق به، وكلّ ذلك تحت الليل، فتصرّف فى تلك الليلة بما اقتضى (٢) له الاختيار، ولسان الحال يناديه: «كلام الليل يمحوه النهار».

ثم إنّ المماليك الجلبان ثاروا على من بالقلعة، ونزلوا من الطباق، ونهبوا الحواصل السلطانية، ثم كسروا باب الستارة، ودخلوا دور الحرم، ونهبوا كل ما كان فيه، وفسقوا فى عيال الظاهر تمربغا، وهذا أمر مشهور، ولو لم نذكره فى التاريخ.

فلما بلغ الأمير برد بك هجين ذلك، وكان يومئذ أمير آخور كبير، فأرسل يعرّف الأتابكى قايتباى بما جرى فى القلعة، وكان الأتابكى قايتباى قد حضر من الربيع تلك الليلة؛ فلما تحقّق ما فعله خاير بك، أرسل خلف خشداشينه الظاهرية، فاجتمع عنده الجمّ الخفير من العسكر، فركب فى ذلك الجمع، ثم بلغه أنّ طائفة الأينالية قد استمالوا مع خاير بك، واجتمعوا فى مكان بالقرب من سويقة العزّى، فهجم عليهم الأتابكى قايتباى، فوجد هناك أعيان الأينالية، مثل: قانى بردى، وجانى باى، وتانى بك قرا، وقانصوه الخسيف، وغير ذلك من الأينالية.

فلما رأوه، قاموا له، فانبطح بين أيديهم، وقال: «اقتلونى أنتم ولا المماليك


(١) فتوضأ: فتوضى.
(٢) اقتضى: اقتضا.