للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يلبس عمامة خضراء، ويشدّ فى وسطه منطقة وسيفا، وكان يلبس فى رجله أخفافا حمراء من جلد، وكان ينسب إلى بخل عظيم، مع ما كان بيده من سعة المال؛ قيل لما دخل مصر، كان يحضر سماط كافور، ومعه عبد أسود، بقدر خزف، يأخذ فيها فضلات الطعام لغلمانه، وقد هجاه ابن لنكك بقوله:

ما أوقح المتنبّى … فيما حكى وادّعاه

ابتج مالا عظيما … لما أباح قفاه

يا سائلى عن غناه … من ذاك كان غناه

إن كان ذاك نبيّا … فالجاثليق إلاه

قيل لما دخل المتنّبى إلى مصر فى هذه الكبكبة، تخيّل منه كافور، وقصد القبض عليه، فلما بلغ المتنبّى ذلك، هجا كافور، ورحل عن مصر تحت الليل، ومما هجاه به:

العبد ليس بحرّ صالح بأخ … لو أنّه فى ثياب الحرّ مولود

لا تشترى العبد إلا والعصا معه … إنّ العبيد لأنجاس مناكيد

من علّم الأسود المخصىّ مكرمة … أقومه البيض أم آباؤه الصيد

أم أذنه فى يد النخاس دامية … أم قدره وهو بالفلسين مردود

وذاك أنّ الفحول البيض عاجزة … عن الجميل فكيف الخصية السود

فلما تطلّبه كافور، لم يقدر عليه، فقيل لكافور: «وما قدر هذا حتى توهّمت منه»؟ فقال: «هذا رجل أراد أن يكون نبيّا بعد محمد، ، فهلاّ يروم أن يكون ملكا بمصر»؟ وكان مولد المتنبّى بالكوفة سنة ست وثلثماية، وكان اسمه محمد بن حسن أبو الطيب، أقام بمصر أربع سنين، وقتل فى رمضان سنة أربع وخمسين (١) [وثلثماية]؛ قيل لما أحاطوا به ليقتلوه، فهمّ بالهروب، فقال له عبده: أين قولك يا سيدى:

الخيل والليل والبيداء تعرفنى … والسيف والرمح والقرطاس والقلم


(١) وخمسين: وخمسماية. [وثلثماية]: تنقص فى الأصل.