أحتال للمال أن أوذى فأكسبه … ولست للعرض إن أوذى بمحتال
قال محمد بن عبد الملك الهمذانى: كان كافور وافر العقل، سخىّ النفس، كثير الحلم.
ومما حكاه أبو جعفر بن عبد الله بن طاهر العلوى، قال: كنت أساير الأمير كافور يوما، وهو راكب فى موكب خفيف من العسكر، فسقطت مقرعته من يده، فبادرت بالنزول، وأخذتها من الأرض، ودفعتها له؛ فقال:«أيها الشريف، أعوذ بالله من بلوغ هذه الغاية، وما ظننت أنّ الزمان يبلّغنى حتى يفعل بى مثل هذه الفعلة»، ثم بكى؛ فلما وصل إلى باب داره ودّعته، ومضيت إلى منزلى، فلم ألبث إلا ساعة يسيرة، وإذا أنا بالبغال وعليها شكائر محمّلة، فدخلوا بها دارى، ففتحتها واستعبرتها، فإذا فيها دنانير من الذهب، عدّتها خمسة عشر ألف دينار.
وهذه الأخبار تحار فيها العقول، كما قيل:
إذا قرأت كتابا … فاضت دموعى الهوامى
فليست الكتب عندى … إلا قبور الكرام
ومن الوقائع المستحسنة أنّ فى زمن كافور، وقعت زلزلة عظيمة بمصر، فخاف الناس من ذلك وهربوا إلى الصحارى، وظنّوا أنّها القيامة، فدخل محمد بن عاصم الشاعر على كافور، وأنشده قصيدة عظيمة، فمن جملتها هذا البيت:
ما زلزلت مصر من خوف يراد بها … لكنها رقصت من عدله طربا
فتفاءل كافور بذلك، وأجاز محمد بن عاصم بألف دينار؛ فلما بلغ أبو الطيب المتنبّى أفعال كافور، وجوائزه السنية، أتى من بغداد، ودخل مصر، وامتدح كافور بقصائد سنيّة، فمن جملة ذلك هذه الأبيات:
قواصد كافور توارك غيره … ومن ورد البحر استقلّ السواقيا
فجاءت بنا إنسان عين زمانه … وخلت بياضا خلفها ومآقيا
وللنفس أخلاق تدلّ على الفتى … أكان سخاء ما أتى أم تساخيا
قيل لما دخل المتنبّى مصر، كان فى كبكبة عظيمة من حاشيته ومماليكه وغلمانه،