للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومات وله من العمر نحو من سبعين سنة، وكان ملكا جليلا، كفوا للسلطنة، أدوبا حشما، عاقلا وقورا، شجاعا مقداما، عارفا بأنواع الفروسية، وكان إذا ساق الفرس لا ينفرد ذيله من تحت فخذه، وهو فى قوّة سوقه؛ وكان عنده تواضع (١)، سيوسا عند المحاكمات، من غير حدّة ولا بادرة، عارفا بتدبير أحوال المملكة، ماشيا على طريقة الملوك السالفة، تابعا لطريقة أستاذه الملك المؤيّد شيخ، فى عمل المواكب بالقصر، والمبيت به فى ليلة الاثنين والخميس؛ ويصعد العسكر إلى القلعة، وهم بالشاش والقماش؛ وينزل لفتح السدّ فى يوم وفاء النيل بنفسه، كعادة المؤيّد شيخ؛ ويلبس الأمراء الصوف بمطعم الطير، الذى بالمطرية؛ ويشقّ القاهرة فى المواكب الحافلة، والأمراء قدّامه، ويكون له يوم مشهود؛ ويدير فى كل سنة المحمل فى رجب، وتسوق الرمّاحة على العادة القديمة ويصرف على ذلك جملة أموال، ويحرق بالرملة النفوط الهائلة الحافلة، وتصرف الناس فى تلك الأيام أموالا لها صورة، وتعمل الأسمطة والمدّات الحافلة، بسبب سوق الرمّاحة؛ وكان ينزل إلى الرمايات ببركة الخبّ، ويبات بها، ويشقّ من القاهرة، وتزيّن له، ويرى له المواكب حافلة والأيام المشهودة.

وكانت أيامه كلها لهو وانشراح، ولم يقع فى أيامه بمصر الطاعون ولا الغلاء، ولا أخرج من مصر تجريدة إلى البلاد الشامية؛ وكان شهما مهابا، حسن الهيئة، جميل الصورة، أحمر اللون، مدوّر الوجه، شائب اللحية، طويل القامة، ضخم الجسد، فصيح اللسان بالعربى، يقرأ القرآن، وله بعض اشتغال بالعلم؛ وكان رومىّ الجنس من الأرنؤوط، وكان ترفا فى ملبسه، صنع له مهاميزا وركبا من الذهب، وكان يلبس السمور (٢) الفاخر، والأقبية الصوف الأخضر، ويبطّنها بالمخمل الأحمر، ويلبس القمصان الحرير فى الشتاء، وكان عنده رقّة (٣) حاشية ويسمع المغنى، كثير


(١) تواضع: تواضعا.
(٢) السمور: الصمور.
(٣) رقة: رقت.