للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمرهم بأن يخرجوا من يومهم، فخرجوا على وجوههم مسرعين.

هذا كله جرى والسلطان فى التلف، والإشاعة قائمة بموته، والقاهرة فى اضطراب ليلا ونهارا؛ وكان ذلك فى قوّة زيادة النيل، فأخلى (١) سكان الجسر، وبركة الرطلى، فى يوم واحد، وكذلك سكان الجزيرة الوسطى، وصارت الأسواق والحوانيت تقفل من بعد المعرب، وتمر الوالى طائف بطول الليل (٢)، ومعه جماعة من المماليك السلطانية وهم لابسون لامة الحرب، والمشاعلية تنادى بطول الليل بالأمان والاطمان، وأن أحدا لا يخرج من داره من بعد العشاء، وكان كل من رآه يمشى من بعد العشاء يقطع أذنيه ومنخاره، أو يضربه بالمقارع؛ فاستمرّ الحال على ذلك نحوا من عشرين يوما، والناس فى اضطراب.

وخرج الأمير قرقماس الجلب، والأمير يشبك الفقيه، على كره منهما، وقد نزل إليهما تانى بك المعلّم، رأس نوبة ثانى، عن لسان السلطان، يحثّهما فى سرعة السفر إلى جهة الصعيد، فخرجا بسرعة.

ثم إن السلطان وجد فى نفسه بعض نشاط، فجلس متسنّدا بين المخدّات، وقدّمت إليه العلامة، فعلّم بيده نحو سبعة مراسيم، حتى يشاع ذلك بين الناس، فضربت البشائر فى ذلك اليوم بالقلعة، وتخلّق جماعة السلطان بالزعفران، وكل ذلك إشاعات فاسدة، والموت حائط بالسلطان من كل جانب؛ فلما بات تلك الليلة، تجدّد عليه منع الأكل، وعجز عن الحركة، وصار كالخشبة الملقاة (٣).

فلما أصبح نادى بخروج العسكر المعيّن إلى الصعيد، وتهديد من لم يخرج من العسكر بالشنق؛ وكل ذلك بترتيب الأمير خاير بك الدوادار. - ثم قويت الإشاعة بأن السلطان فى النزع، وقد جدّ فى السياق، وكانت علّته حمّى كبدية.

فلما تحقّق الأمراء ذلك، اجتمعوا فى المقعد الذى بباب السلسلة، عند المقرّ


(١) فأخلى: فأخلا.
(٢) طائف بطول الليل: كذا فى الأصل.
(٣) الملقاة: الملقاء.