للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان ينزل من القلعة إلى بيته، الذى فى السبع سقايات، فى المواكب الحافلة، والأمراء والعسكر قدّامه، مثل المواكب السلطانية، وهو أول من اتّخذ السعاة قدّامه من الدوادارية؛ وكان أميرا جليلا فى سعة من المال، حاكم الحجاز بسبب نيابة جدّة، وكان كثير الحيل والخداع، دهاء فى نفسه، سيوسا فى أحكامه، كريم النفس، سخىّ اليد.

وكان صفته، أسمر اللون، قصير القامة جدّا، شائب اللحية، عليه الوقار والسكينة، ومات وله من العمر نحوا من سبع وخمسين سنة؛ وكان مولعا بغرس الأشجار، وحبّ الرياض؛ وهو الذى أنشأ الزاوية التى فى منشية المهرانى، وقرّر بها شيخ وصوفة من أبناء العجم، وكان له محاسن ومساوئ، وأذى وخير، وكانت قتلته من النوادر الغريبة. - وأما تنم رصاص، أصله من مماليك الظاهر جقمق، وكان ولى حسبة القاهرة، وكان عنده الظلم والعسف الزائد، وهو الذى أنشأ الجامع الذى داخل الدرب، بالقرب من بيت جانى بك نائب جدّة.

فلما قتل جانى بك، وقع فى ذلك اليوم بعض اضطراب، وكثر القيل والقال فى ذلك اليوم، ثم إنّ مماليك جانى بك لبسوا لامة الحرب، وطلعوا إلى الرملة، فما طبّوا طبّة، ونزل إليهم مماليك السلطان، فشتّتوهم عن آخرهم.

ثم فى ذلك اليوم قبض السلطان على جماعة من الأينالية، ممن كان قد التفّ على جانى بك نائب جدّة، وهم: أزدمر الإبراهيمى الطويل، وتانى بك قرا، وشخص آخر؛ ثم قبض على جماعة من الظاهرية، ممن كان من عصبة جانى بك، وهم: سودون البرقى، وقانصوه اليحياوى، وطومان باى، ودمرداش الطويل، وتغرى بردى ططر، وكل منهم كان أمير عشرة، رأس نوبة؛ فبعث سودون البرقى إلى السجن بثغر الإسكندرية، وبعث قانصوه اليحياوى، وتغرى بردى ططر إلى طرابلس، وبعث تانى بك قرا إلى غزّة، وأزدمر الطويل إلى الشام، فلما فعل ذلك انخفض (١) أمر الظاهرية، وقويت شوكة (٢) المؤيّدية.


(١) انخفض: انخفظ.
(٢) شوكة: شوكت.