للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقرّر مع جانى بك، بأن يطلع يوم الثلاثاء بدرى، حتى يفعل ما وقع عليه الاتّفاق؛ ثم إنّ السلطان قرّر مع مماليكه أن إذا طلع جانى بك، يكمنون له فى باب القلّة، ويخرجون عليه يقتلونه، وعرّفهم كيف يقتلونه.

فلما كان يوم الثلاثاء، بادر جانى بك بالطلوع إلى القلعة، فطلع وصحبته تنم رصاص المحتسب، وجانم دواداره، وبعض مماليك؛ فلما طلع إلى القلعة، ودخل من باب القلّة، فأغلقوا خلفه الباب، ورأى فى القلعة بعض اضطراب، فظنّ أن ذلك هو الاتّفاق الذى اتّفقه مع السلطان كما تقدّم؛ فلما وصل إلى باب الجامع، خرج عليه كمين هناك من المماليك، فطعنه بعضهم بالرمح فى بطنه، فسقط إلى الأرض مغشيّا عليه، فأخذ بعض المماليك فصّ حجر كان هناك، وألقاه على رأسه، ففشّشها، حتى خرج مخّ رأسه، ثم قتلوا تنم رصاص بالسيوف، ثم أرادوا قتل جانم دوادار جانى بك، فمنعهم بعض المماليك من ذلك، فسجنوه فى مكان بالقلعة؛ ثم جرّدوا جانى بك من أثوابه، وتنم رصاص، وألقوهما على حصير فى مكان خلف الجامع.

وكانت قتلة جانى بك نائب جدّة، عند الجامع الذى بالقلعة، بالقرب من الزردخاناة، وذلك فى يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجة سنة سبع وستين وثمانمائة، وقد لعبت به المؤيّدية، وتمّت الحيلة عليه، وكان هو سعى فى قتل جماعة من المؤيّدية، فكان كما قيل فى المعنى:

وكم من طالب يسعى لشئ … وفيه هلاكه لو كان يدرى

فلما طلع النهار غسّلوا جانى بك، وتنم رصاص، وكفّنوهما، وصلّوا عليهما بالقلعة، ونزلوا بهما، فدفنوا جانى بك فى تربته، التى بالقرب من باب القرافة، ودفنوا تنم رصاص فى تربته، التى عند الإمام الليث؛ وكان جانى بك أصله من مماليك الظاهر جقمق، ورقى (١) فى دولة الظاهر خشقدم، حتى بقى مدبّر المملكة؛ وكان هر القائم فى سلطنة الظاهر خشقدم، وفى مسك الأمراء الأشرفية، وفى رجوع جانم نائب الشام، بعد ما كان ترشّح أمره إلى السلطنة.


(١) ورقى: ورقا.