للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشقّ من الصليبة، فلما شقّ من الصليبة، ضجّ له الناس بالدعاء، وشكوا له من ظلم تنم رصاص المحتسب، فسمع ذلك وسكت، لأجل جانى بك نائب جدّة.

وفى ذى القعدة، فى يوم السبت رابعه، ماتت بنت خوند الأحمدية، وهى والدة الشهابى أحمد بن عبد الرحيم العينى، وكانت ربيبة (١) السلطان، فى مقام ابنته، فلما ماتت صلّوا عليها بالقلعة، ونزل معها الأمير جانى بك نائب جدّة، أمير دوادار، وجماعة من الأمراء، والقاضى كاتب السرّ برهان الدين بن الديرى، واستمرّوا معها إلى تربة السلطان التى أنشأها.

فلما رجعوا من التربة ترافق كاتب السرّ مع الأمير جانى بك نائب جدّة فى الطريق، فخلط كاتب السرّ مع الأمير جانى بك فى الكلام، وكان برهان الدين ابن الديرى عنده بعض خفّة ورهج، فقال للأمير جانى بك: «هذه الميّتة خرجت من القلعة يوم السبت، ولا بدّ ما يعقبها أحد كبير، وأظنه السلطان»، فأسرّ الأمير جانى بك هذا الكلام فى نفسه، وكانت هذه الكلمة سببا لعزل ابن الديرى من كتابة السرّ؛ فلما طلع الأمير جانى بك إلى السلطان، نقل له ما قاله ابن الديرى:

«وأظن ما يعقب هذه الميّتة إلاّ السلطان، كونها خرجت من عندهم يوم السبت».

فلما طلع ابن الديرى يوم الأحد إلى العلامة، استقبله السلطان، وقال له:

«يا قاضى، فى أى حديث ورد عن النبى، ، أنّ الميّت إذا أخرج من عند أحد يوم السبت، يعقبه أحد كبير»؟ فذاق ابن الديرى هذا الكلام، وعلم أن ناقله الأمير جانى بك، فسكت ولم يردّ الجواب عن ذلك، ثم إن السلطان قال له: «الزم بيتك، ولا تبقى (٢) ترينى وجهك»، فنزل إلى بيته معزولا؛ وكانت مدّة إقامته فى كتابة السرّ خمسة عشر يوما، وقد سعى فيها بثمانية آلاف دينار، فخسر ذلك بكلمة، وهذا آفة الكلام فى غير مستحقّه، وقد نهى بعض الحكماء عن كثرة (٣) الكلام من غير فائدة، وقد قال بعضهم:


(١) ربيبة: ربيبت.
(٢) تبقى: تبقا.
(٣) كثرة: كثرت.