للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشقّوا به من القاهرة، مع جملة من شهر من رجال ونساء، والمشاعلية تنادى عليهم، فشقّ ذلك على القضاة ومشايخ العلم، وكادت أن تنتشى من ذلك فتنة كبيرة، ودخلوا مشايخ العلم إلى بيت تمر الوالى، وهو جالس فى مقعده، فبهدلوه بالكلام الفاحش، حتى صار يتدارى منهم بالسكوت؛ فلما بلغ السلطان ذلك وبّخ تمر الوالى بالكلام، ثم أصلح بينه وبين ابن القاياتى، واستمرّ النيل فى توقّف.

ثم إن السلطان بعث إلى الشيخ أمين الدين الآقصراى يستفتيه فى أمر النيل، فأشار الشيخ أمين الدين، بأن تجمع بنو العباس (١)، من كبير وصغير، ويضعون فى أفواههم شيئا من الماء، ثم يمجّونه فى إناء، ويصبّونه فى فسقيّة المقياس؛ فرسم السلطان لبنى العباس بذلك، فاجتمعوا عند العزّى عبد العزيز بن أخى (٢) الخليفة، وكان ساكنا بمصر العتيقة على البحر، وفعلوا ما قاله الشيخ أمين الدين الآقصراى، وصبّوا ذلك الماء فى فسقيّة المقياس، فما عن قريب حتى زاد، واستمرّت الزيادة حتى أوفى (٣)؛ ثم إن قاضى القضاة علم الدين (٤) صالح البلقينى؛ توجّه إلى المقياس للاستسقاء، وأقام به أياما، فزاد النيل أصبعين، فلما طلع ابن أبى الرداد وبشّر السلطان بذلك، فألبسه سلارى صوف بسنجاب من ملابيسه.

ثم إن القاضى علم الدين البلقينى رجع من المقياس، وشقّ من القاهرة، وقدّامه رايات زعفران، وانطلقت له النساء من الطبقات بالزغاريت، وتفاءلوا بتوجّهه إلى


(١) بنو العباس: بنوا العباس.
(٢) أخى: أخو.
(٣) أوفى: أوفا.
(٤) ثم إن القاضى علم الدين: كتب المؤلف بخط يده ما يأتى على ورقة صغيرة (رقم ٥٥ فى المخطوط) وألصقها بين الورقتين ٥٤ و ٥٥:
(٥٥ آ) ومن النوادر الغريبة، أن قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى، لما توجه إلى المقياس، فأقام به أياما والنيل لم يزد شيئا، فهمّ بالعود إلى داره، وقد تقلق من الإقامة فى قاعة المقياس، فعزم على العود إلى داره، فقال له ابن أبى الرداد: «لا تعجل، واصبر علىّ ثلاثة أيام، لعل يزيد النيل»، فقال له القاضى (٥٥ ب) علم الدين البلقينى: «من أين لك هذا العلم؟» قال: «قد مرت اليوم علىّ سحابة، وهى معمرة بالمطر، وبعد ثلاثة أيام يأتينى خبرها»، فلما مضت ثلاثة أيام، زاد الله فى النيل المبارك أصبعين، ونودى بها، فرجع القاضى علم الدين، وهو مجبر القلب بهذه الزيادة، انتهى ذلك.