للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظاهرى، أحد الأمراء العشرات، مات هو وولده فى يوم واحد، فأخرجا فى نعش واحد. - وتوفّى أيضا الطواشى هلال الظاهرى الرومى، وكان من أعيان الخدّام، وولى الزمامية، وقد سعى فيها بمال، ومات بطّالا، وقد افتقر عند موته.

وفى جمادى الآخرة (١)، استقرّ الشهابى أحمد بن القليب، فى حجوبية الحجّاب بطرابلس، عوضا عن خشقدم الأردبغاوى، مضافا لما بيده من الأستادارية، والجهات السلطانية. - وفيه عاد تغرى بردى الطيارى، الذى كان توجّه إلى قبرص (٢) لكشف الأخبار؛ وحضر صحبته جماعة من ملوك الفرنج، فعملت الخدمة بالقصر، وصعد من حضر من ملوك الفرنج، فلم يلتفت إليهم السلطان، ونزلوا على غير طائل.

وفى هذا الشهر تزايد أمر الطاعون جدّا، وتعطّلت أحوال الناس، بسبب كثرة (٣) الموت فى الناس، من كبير وصغير، وصارت الجنائز تمرّ فى الشوارع والطرقات كالقطارات، وتصفّ النعوش فى المصلاّت على بعضها وقت الصلاة. - ومن الغرائب أن قلّ من طعن فى هذا الفصل وسلم من الموت، وقد كثر الورد فى هذه الأيام جدّا، حتى [صاروا يعملوا فوق النعوش قواصر من جريد، ويغرزوا] (٤) فيها الورد، وقد تزايد الموت، حتى تعطّلت أحوال الناس، وصار كل أحد يحسب حساب الموت، وهانت على الناس أنفسهم، وكان هذا الفصل أقوى من الفصول التى وقعت فى أيام الملك الظاهر جقمق، وفى ذلك يقول القائل:

أسفى على سكّان مصر إذ غدا … للطعن فيها ذات وخز سارى

الموت أرخص ما يكون بحبّة … لكن هذا صار بالقنطار

وكان قوّة عمله من خارج بابى زويلة، إلى الصليبة وما حولها؛ وقد أقام يعمل هذا الطاعون فى القاهرة نحوا من ستة أشهر، ابتداء وانتهاء، فلما كان أوّل خماسين النصارى أخذ الطعن فى التناقص. - وفيه توفّى القاضى زين الدين عبد الرحيم بن


(١) جمادى الآخرة: جماد الآخر.
(٢) قبرص: قبرس.
(٣) كثرة: كثرت.
(٤) صاروا يعملوا … ويغرزوا: كذا فى الأصل.