للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به حتى أزالت رأسه عن حجرها، ووضعتها على وسادة، فلما انتبه من منامه، ناداها، فأجابته من مكان قريب، فقال لها: «قد أسلمت نفسى إليك ونمت على حجرك، فتركتينى ومضيت (١) عنى، أكلّيت (٢) منى»؟ فقالت: «والله لم أكن كلّيت من أمير المؤمنين، إنّ مما أدّبنى به والدى أن لا أجلس مع النيام، ولا أنام مع الجلوس»، فاستحسن منها ذلك، وأقامت معه حتى مات، وقيل فى المعنى:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا … يغنيك مضمونه عن النسب

إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا … ليس الفتى من يقول كان أبى

واستمرّ خمارويه على ولايته بمصر، حتى هجم عليه بعض خدّامه فى الليل، وذبحه وهو نائم فى فراشه، وكانت قتلته فى ذى الحجة سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وكانت مدّة ولايته بمصر نحو اثنتى عشرة سنة وشهر.

ثم تولّى من بعده ابنه أمير جيوش (٣)، ويعرف أيضا بالأفضل، وهو صاحب السوق المعروف به.

قال القضاعى: إنّ الأفضل هذا هو الذى بنى (٤) المسجد المطلّ على بركة الحبش، المعروف الآن بالرصد، وإنما سمّى بالرصد، قيل: كان فوقه كرة من نحاس أصفر، قدرها قنطار، وهى قائمة على عمد من رخام، بسبب تحرير الساعات، لأجل دخول أوفات الصلوات؛ ولم ينسب إلى الحاكم بأمر الله من بنائه شئ، وإنما هى إشاعة بين الناس فى نسبته إلى الحاكم بأمر الله. - وهو حفر خليج أبى المرجا، وكان المتولّى أمر حفره أبو المرجا شعيا اليهودى، فعرف به.

ومن الحوادث فى أيامه، قد هاجت ريح سوداء، واشتدّ هبوبها وأظلم الجوّ حتى ظهرت النجوم بالنهار، فارتاع الناس من ذلك، ثم توجّهوا إلى المساجد يبتهلون إلى الله بالدعاء، فلم تزل الرياح عاصفة (٥) إلى بعد المغرب، حتى سكن الحال.


(١) ومضيت: ومضيتى.
(٢) أكليت: أكليتى.
(٣) أمير جيوش: كذا فى الأصل.
(٤) بنى: بنا.
(٥) عاصفة: عاصف.