للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قال ابن الجوزى: إنّ فى سنة ثمان وسبعين ومائتين، جاءت الأخبار من مصر إلى بغداد، بأنّ النيل قد غار عن آخره، ولم يبق منه شئ؛ وهذا من العجائب التى لم يسمع بمثلها من قديم الزمان إلى الإسلام، وفى هذه الواقعة يقول القائل:

تقاصر النيل عنا … تقاصرا متتابع

حتى قنعنا اضطرارا … منه بمصّ الأصابع

وهذه الواقعة من النوادر] (١).

واستمرّ أمير الجيوش على ولايته بمصر حتى قتل أيضا، فكانت مدّة ولايته على مصر نحو سنة؛ ولما مات دفن فى مسجد بحارة برجوان.

ثم تولّى بعده الأمير هرون بن خمارويه. - ومن الحوادث فى أيامه أنّ شخصا يسمّى أبو الحسن الخراسانى، توجّه إلى نحو أطفيح، هو وجماعة من أصحابه، فوجدوا فى بعض الدفائن شربة زجاج أزرق، بعروة خضراء، فأخذها أبو الحسن المذكور، وجاء إلى شاطئ النيل وملأ منه تلك الشربة، وناولها لبعض أصحابه ليشرب منها، فوجده خمرا مسكرا، طيب الرائحة، أحمر اللون، ولم يكونوا يعلمون ما فى هذه الشربة من السرّ؛ فلما علموا شأنها، فرام كل أخذ منهم أخذها، فتخاصموا عليها، فوقعت من بين أيديهم وانكسرت، فوجدوا فيها شخصا لطيفا من نحاس أصفر، وتحت رجله عنبة، وهو يعصرها.

فلما شاع أمرهم بين الناس، أحضرهم الأمير هرون بين يديه، فوجد الشربة قد كسرت، فأسف عليها واغتمّ لذلك، ثم قال: «لو كانت صحيحة لشريتها ببعض ملكى»، وكانت هذه الشربة من صنعة الحكماء اليونانية.

وفى أيامه وقعت زلزلة بمصر، حتى وصلت إلى الإسكندرية، وسقط منها رأس المنار، وكانت زلزلة عظيمة جدّا.

واستمرّ الأمير هرون على ولايته بمصر، حتى دخل عليه عمّاه: شيبان وعدى، وهما ابنا الأمير أحمد بن طولون، فقتلاه وكان ثملا، فقتل فى فراشه؛ وكانت مدّة


(١) قال ابن الجوزى … من النوادر: كتبت فى الأصل على هامش ص ٨٤ ب.