للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى ابن قرمان. - وفيه رسم السلطان بالإفراج عن الأمير تمربغا الظاهرى، وأخرجه من سجن الصبيبة، ورسم له بأن يتوجّه إلى مكّة المشرّفة ويقيم بها، فخرج صحبة الحاج الشامى، وتوجّه إلى مكّة.

ومن الحوادث: أن فى أواخر هذا الشهر، وقع حريق ببولاق فى يوم الجمعة، وقت العصر، فاستمرّت النار تعمل من ربع الصاجاتى، إلى ربع ناظر الخاص يوسف، إلى البوصة التى خلف بولاق، فعجز الناس عن طفيها؛ وقام عقيب ذلك ريح أسود عاسف، فهيّج النار، فاحترق نحوا من ثلاثمائة دار، وربوع، ودكاكين، وشون، وكان أمرا مهولا جدّا؛ وقيل إن بعض الناس رأى وقت صلاة الجمعة، صاعقة عظيمة نزلت من السماء على بعض الأماكن التى ببولاق فاحترق، ثم عملت النار واشتدّ الأمر، حتى جاوز الحدّ فى ذلك، وأقامت النار تعمل فى البيوت نحوا من أسبوع، وكان قد كثر الفسق والفساد ببولاق جدّا، حتى خرج الناس فى ذلك عن الحدّ، ومن يومئذ تلاشى أمر بولاق، وانحطّ قدرها، وكانت من أجلّ مفترجات الديار المصرية.

وكانت هذه الواقعة ابتداء الحريق الذى (١) وقع بعد ذلك بالقاهرة، وصار فى كل ليلة ونهار يقع الحريق بمصر والقاهرة فى أماكن شتى، ولا كان يعلم ما سبب ذلك، ولا من كان يفعل هذه الفعال، وكثر فى ذلك القال والقيل، ووقع فى أمر هذا الحريق نوادر وعجائب وغرائب، لم يسمع بمثلها قطّ، وافتقر بسبب ذلك خلق كثيرة (٢) من التجّار وغيرها، من كثرة حرق البيوت والدكاكين، وكان هذا انتقاما من الله تعالى لأهل مصر، وفى ذلك يقول الشهاب المنصورى:

لهفى على مصر وسكانها … فالدمع من عينى لهذا طليق

ما شاهدوا الحشر ولا هوله … فكيف قد ذاقوا عذاب الحريق

وفيه توفّى الشيخ نجم الدين بن النبيه، وهو محمد بن محمد بن محمد القرشى الشاذلى


(١) الذى: التى.
(٢) كثرة: كثرت.