وفى جمادى الأولى، توفّى الشيخ سراج الدين عمر التبّانى الحنفى، وكان عارفا بفنّ علم الرمل، له فى ذلك يد طائلة، وكان من خواص المؤيّد شيخ، وكان رئيسا حشما وله شهرة زائدة. - وفيه قبض السلطان على قراجا الخازندار، وكان من مقدّمين الألوف (١)، فرسم بإخراجه إلى القدس بطّالا، ولم يكن له ذنب، غير أنّه أخذوا منه التقدمة وقرّروا بها جانم الأشرفى.
وفيه قرئ تقليد السلطان بالقصر على العادة، وحضر الخليفة، والقضاة الأربعة؛ فلما انتهى المجلس أخلع على الخليفة والقضاة، ونزلوا إلى بيوتهم. - وفى هذا الشهر، توفّى قاضى القضاة الحنبلى بدر الدين عبد المنعم محمد بن محمد بن عبد المنعم البغدادى، وكان عالما فاضلا معظّما عند الناس وأرباب الدولة، وله حرمة وافرة، ومولده سنة إحدى وثمانمائة، وكان أعورا بإحدى عينيه، ولكنه كان من أعيان علماء الحنابلة، من أهل الفضل، وقد قال فيه بعض الشعراء مداعية:
وربّ أعمى قال فى مجلس … يا قوم ما أصعب فقد البصر
أجابه الأعور من خلفه … عندى من دعواك نصف الخبر
فلما مات أخلع السلطان على الشيخ عزّ الدين أحمد الكنانى بن قاضى القضاة برهان الدين بن قاضى القضاة مجد الدين بن نصر الله، وقرّر فى قضاء الحنابلة بمصر، عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين البغدادى، بحكم وفاته.
وفيه جاءت الأخبار بقتل سونجبغا اليونسى، وتغرى بردى القلاوى، وسبب ذلك أن تغرى بردى القلاوى كان كاشف الوجه القبلى، وكان قرّر فى الوزارة فى أواخر دولة الظاهر جقمق، أخذ الوزارة عن أمين الدين بن الهيصم، وكان فرج بن النحّال ناظر الدولة يومئذ، وكان أصله من مماليك الظاهر جقمق، فتوجّه سونجبغا بالقبض عليه، فتخانقا وهما على الخيل، فقتل كل منهما صاحبه بالخناجر، فماتا معا فى يوم واحد؛ وكان سونجبغا من مماليك الناصر فرج بن برقوق، وكان من جملة الأمراء الطبلخانات، وسافر أمير الحاجّ غير ما مرّة، وكان لا بأس به.