للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ميل فى ميل»، فقال القائل فى المعنى:

يا نزهة الرصد التى قد نزّهت … عن كل شئ حلا فى جانب الوادى

فذا غدير، وذا روض، وذا جبل … فالضبّ والنون والملاّح والحادى

ثم إنّ الأمير عيسى أقام بمصر. - وفى أيامه اضطربت أحوال الديار المصرية، وخرج أهلها عن الطاعة، وحصل بينهم، وبين عساكر الفسطاط، من الحروب العظيمة ما لا يمكن شرحه؛ فكاتبوا المأمون بذلك، فجهّز العساكر، وخرج بنفسه من بغداد صحبتهم، وتوجّه إلى مصر، فدخلها فى محرّم، أوائل سنة سبع عشرة ومائتين، فدخل فى عساكر عظيمة؛ وكان صحبته أخوه محمد المعتصم، وولده العبّاس، وأولاد أخيه، وهما الواثق والمتوكّل؛ وكان صحبته القاضى يحيى ابن أكثم، والقاضى أحمد بن أبى داود، وغير ذلك من أعيان بغداد.

قال الكندى: لما دخل المأمون مصر، نزل تحت الجبل الأحمر، عند قبّة الهواء، ونظر (١) إلى أرض مصر، وقال لمن حوله: «ما أدرى ماذا أعجب فرعون فى مصر، حيث قال: «أليس لى ملك مصر»، وهى أرض غبراء بين جبلين، فأىّ شئ أعجبه فيها»؟ فقال له بعض الحاضرين: «إنّ الذى رآه أمير المؤمنين، ليست كانت مصر كذلك، وقد قال الله تعالى: ﴿وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ، وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ﴾ فسكت المأمون.

فلما حضر عيسى بن منصور الرافقى بين يديه، وبّخه بالكلام، وقال له:

«هذا كلّه بسوء تدبيرك، وجورك على أهل القرى، وقد حمّلت الناس ما لا يطيقون، وكتمت الأمر عنّى حتى عظم».

ثم إنّ المأمون عيّن الأفشين، وكان شجاعا بطلا، فأخذ طائفة من العسكر، وتوجّه إلى أعلا الصعيد، وحارب أهلها، وقتل منهم جماعة كثيرة، وأسر النساء والصبيان، وأحضرهم بين يدى المأمون، فأمر بقتل الرجال، وبيع النساء والصبيان، وكان أكثرهم من القبط والحوف.


(١) ونظر: نظر.