للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك بالمدينة وهو ابن عشر سنين؛ وتفقّه على مسلم بن خالد الزنجى، مفتى مكّة، وأذن له فى الإفتاء، وهو ابن خمس عشرة سنة؛ ثم توجّه إلى بغداد وزار قبر أبى حنيفة، وكان يقول: «من أراد الفقه فعليه بأبى حنيفة، ومن أراد الحديث فعليه بالإمام مالك»، وذلك سنة خمس وتسعين ومائة، وصنّف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكّة؛ ثم خرج إلى بغداد ثانيا سنة ثمان وتسعين ومائة، فأقام بها شهرا، ثم قصد التوجّه إلى مصر، فقال عند ما عزم على السفر هذين البيتين من نظمه، وهما:

وإنّى أرى نفسى تتوق إلى مصر … ومن دونها عرض المهامة والقفر

فو الله ما أدرى أللعزّ والغنى … أساق إليها أم أساق إلى قبر

قال ابن زولاق: لما دخل الشافعى مصر، صنّف بها نحو مائتى جزء فى العلم، وكان واسع الاطلاع، كثير الفقه والأحاديث، وكان يقول إذا صحّ الحديث فهو مذهبى؛ وكان حسن الخلق، سخىّ النفس، قليل الغضب، فكه المحاضرة، رقيق النظم، ومن نظمه قوله:

إن كنت منبسطا، سمّيت مسخرة … أو كنت منقبضا، قالوا به ثقل

وإن أخالطهم، قالوا به طمع … وإن تجنّبتهم، قالوا به علل

وإن طعمتهم، قالوا يصانعنا … وإن منعتهم، قالوا به بخل

مالى بخلق، وخلق يرتضون به … لا بارك الله فيهم، إنّهم سفل

ومن بركة الإمام الشافعى، ، أنّ فى مدّة حياته لم يقع الطاعون بمصر، ولا فى غيرها من البلاد؛ قال العلامة شهاب الدين بن حجر، رحمة الله عليه:

وقع الطاعون ببغداد سنة ست وأربعين ومائة، ثم وقع فى سنة إحدى وعشرين ومائتين، فكان بين وقوع هذين الطاعونين نحوا من سبعين سنة، ففى هذه المدّة كان مولد الإمام الشافعى، ، واستمرّ الطاعون مرتفعا عن مصر وبقيّة البلاد، إلى حين وفاته، رحمة الله عليه.

وكانت مدّة حياة الإمام الشافعى، ، أربع وخمسين سنة؛ واستمرّ الإمام الشافعى بمصر إلى أن مرض بعلّة البطن، وسلسل فى المرض.