للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الله بن أنس الجهنى، وكان عالما فاضلا، ريسا حشما، وكان من أخصّاء السلطان الملك المؤيّد شيخ، وحظى عنده، ولكن وقع بينه وبين السلطان فى آخر عمره، بسبب سيدى إبراهيم كما تقدم، وقيل إن السلطان سم ابن البارزى هذا فمات، وكان شاعرا ماهرا، ومن شعره هجوه فى إنسان فى واقعة جال وهو قوله:

وقد علت أسنانه صفرة … تكدّر العيش المرئ المريع

ولحمها من ورم فاسد … كرية المحبوس فيها تجيع

ولما توفّى القاضى ناصر الدين بن البارزى، تولّى بعده ابنه كمال الدين محمد، وقرّر عليه مبلغ أربعين ألف دينار، يحملها إلى الخزائن الشريفة؛ وقرّر فى نيابة كتابة السرّ القاضى بدر الدين محمد بن مزهر، وهو والد القاضى أبو بكر بن مزهر كاتب السرّ. - وفيه ثار على السلطان ألم رجله، واعتلّ، ولزم الفراش، ثم شفى بعد أيام، وزيّنت له القاهرة، وفرّق على الفقراء جملة مال. - وفيه توفّى رئيس الأطباء شمس الدين بن الصغير، وكان من حذّاق الأطباء.

وفيه جاءت الأخبار بوفاة ملك الغرب صاحب فاس (١)، وهو أبو سعيد عثمان بن أحمد التبريزى، مات مقتولا على يد وزيره عبد الرحمن اللبانى، وأقام فى ملكه من بعده ابنه أبو بكر عبد الله محمد، وكانت مدة ولاية عثمان هذا على بلاد الغرب ثلاث (٢) وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأيام، وخربت بعده مدينة فاس (١)؛ وكان يوصف بالكرم الزائد فى زمانه، حتى قيل إنه كان جالسا فى منظرة له، ومعه محظية من جواريه، فدخل عليه الخادم بقادوس فيه ورد أحمر وأبيض فى غير أوانه، فاستظرفه وسأل الخادم عن أمره، فأخبره أن رجلا أتى به هديّة، فأمر أن يملأ له القادوس دراهم فضّة، فقالت له تلك المحظية: «ما أنصفته»، قال: «ولم»؟، قالت: «لأنه أتى إليك بلونين أحمر وأبيض، فلوّنه له أنت أيضا»، فأمر أن يخلط له مع الدراهم دنانير ذهب، فخلطت له مع الدراهم دنانير ذهب ودفعت له، ونسب بعض المؤرخين أن هذه


(١) فاس: فارس.
(٢) ثلاث: ثلاثة.