للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتوجّه إلى الميدان الناصرى، فعمل به الموكب، وركب منه وطلع إلى القلعة.

وفيه اشتدّ المرض بالصارمى إبراهيم بن السلطان، فحمل على الأكتاف من بولاق إلى القلعة، فدخل عليه النزاع، فمات فى ليلة الجمعة خامس عشره، وأخرجت جنازته من القلعة، ومشت قدامه الأمراء، وأرباب الدولة، من القلعة إلى الجامع الذى أنشأه والده بباب زويلة، ودفن داخل القبّة التى به وكثر عليه الأسف والحزن من الناس، وكثر الكلام من الناس فى حقّ السلطان، بأنه قد سمّ ولده، وصاروا يدعوا (١) عليه جهارا فى وجهه، ونزل السلطان معه وهو راكب إلى الجامع، وحضر دفنه.

فلما كان وقت صلاة الجمعة، صعد ابن البارزى المنبر، وخطب خطبة بليغة فى المعنى، ثم روى الحديث الشريف عن النبى، ، لما مات ولده إبراهيم، ، فقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضى ربّنا، وإننا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون». فلما سمع السلطان ذلك، وضع منديله على وجهه وبكى.

وكان الصارمى إبراهيم بن السلطان شابا شجاعا، بطلا كريما، محبّبا (٢) للناس، مقداما فى الحرب، فلم ينجح أمر الملك المؤيّد بعد موت ولده، وتكدّر عليه عيشه، وكذلك ناصر الدين البارزى، وقيل إن السلطان سمّ ابن البارزى عقيب ذلك على ما قيل، فمات بعد ما مضى أربعة أشهر، وقد قيل فى أمثال الصادح والباغم وهو:

عند تمام المرء يبدو نقصه … وربما ضرّ الحريص حرصه

وإن نجا اليوم فما ينجو غدا … لا يأمن الآفات إلا ذو الردا

وفيه توقّف النيل عن الزيادة، وارتفع سعر القمح، فنادى السلطان فى القاهرة للناس بصوم ثلاثة أيام، ثم بعد ذلك خرج السلطان والناس قاطبة للاستسقاء، وكان السلطان لابسا جبّة صوف أبيض، وعلى رأسه مئزر أبيض، ملفوفا عمامة صغيرة بعذبة


(١) يدعوا: كذا فى الأصل.
(٢) محبيا: كذا فى طهران ص ١٣٨ ب، وكذلك فى لندن ٧٣٢٣ ص ١٤٢ آ، وأيضا فى باريس ١٨٢٢ ص ٣١٢ آ. وفى الأصل: محسنا.