للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل لما دخل أبو النواس مصر، توجّه إلى نحو الصعيد على سبيل التنزّه، فلما جلس على شاطئ النيل، حذّر من التمساح، فأنشأ يقول:

أضمرت للنيل هجرانا وتقلية … إذ قيل لى إنّها التمساح فى النيل

ثم إنّ أبا نواس رجع إلى بغداد، ومات بها سنه خمس وتسعين ومائة، فى دولة الأمين محمد بن الرشيد؛ وكان إماما عالما فاضلا، بارعا فى العلم والأدب، وإنما غلب عليه حبّ الشعر واللهو والخلاعة، وشرب الراح، فانحطّت رتبه بين العلماء بسبب ذلك، واسمه الحسن بن هانى، وإنما سمّى يأبى نواس، لأن كانت له ذؤابتا شعر تنوسان على قفاه، فسمّى بأبى نواس؛ ولما مات كتب على قبره:

يا نواسى توقّر … وتعزّ وتصبّر

إن يكن ساءك دهر … فلما سرّك أكثر

يا كبير الذنب عفو الله … من ذنبك أكبر

انتهى ذلك. -[وفى سنة سبع وثمانين ومائة، توفّى معاذ بن مسلم، وكان من المعمّرين، ورأى ثلاث بطون من أولاده، وهو أول من أظهر التصريف، ووضع فيه الكتب النفيسة] (١).

ثم إنّ الأمير موسى بن عيسى الخصيب، استمرّ على ولايته بمصر، حتى وشى به عند الرشيد، فعزله عن مصر.

وولّى جعفر بن يحيى البرمكى على مصر، فاستناب عليها عمر بن مهران، وكان شنيع الخلقة، زرىّ الشكل، أحول العينين؛ وسبب ذلك أنّ الرشيد بلغه عن موسى الخصيب أنّه قال: «أنا أحسن من هرون الرشيد»، فقال الرشيد: «والله لأولينّ على مصر أوحش الناس شكلا»؛ فاستدعى عمر بن مهران وولاّه على مصر نيابة عن جعفر.

فلما سار عمر بن مهران ودخل مصر، وهو فى أزرى هيئة، راكبا على بغل، وغلامه على حمار، فدخل على الأمير موسى الخصيب، فجلس فى آخر الناس، فلما


(١) وفى سنة … النفيسة: كتبت هذه الفقرة فى الأصل على الهامش.