للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومات الملك الناصر وله من العمر نحو من أربع (١) وعشرين سنة، وكان مولده سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وكان أبوه (٢) الظاهر برقوق فى فتنة منطاش والناصر يلبغا، فلما ولد سمّاه «بلغاق» (٣) معناه بالجركسى «تكدير»، فلما نفى الظاهر إلى الكرك، وخلص وعاد إلى السلطنة، غيّر اسمه وسمّاه «فرج»، وكان اسمه فى الحقيقة «بلغاق».

وفى أيامه توفّى القيم خلف الغبارى، صاحب الأزجال اللطيفة، وكان علاّمة فى فنّ الزجل.

وكانت مدّة سلطنته بمصر ثلاث عشرة (٤) سنة، وثلاثة أشهر، وأحد عشر يوما، وذلك خارجا عن مدّة [خلعه من] (٥) السلطنة بأخيه عبد العزيز، وهى دون الشهرين؛ وزالت مملكة الملك الناصر كأنها لم تكن، فسبحان من لا يزول ملكه، ولا يتغيّر، ولكن قاست الناس فى أيامه شدائد عظيمة، من سفك دماء، وقتل، ومصادرات، وخراب دور.

وقد ضاعت حقوق الناس فى أيامه، وضعفت شوكة الشرع الشريف فى أيامه، وخرج غالب أوقاف الناس التى بالبلاد (٦) الشامية والحلبية، وخربت غالب أرض مصر من الظلم والجور فى حقّ الرعيّة، ولو عدّدنا ما جرى فى أيامه لطال الكلام على ذلك، فما وسع الناس إلا الصبر حتى فرج الله عنهم، كما يقال فى المعنى:

صبرنا على جور الزمان لعل أن … تفرج أيام الكريهة بالصبر

وقال آخر:

أين الذين عتوا فى الأرض إذ ظلموا … والله منهم لقد أخلى أماكنهم (٧)


(١) أربع: أربعة.
(٢) أبوه: أباه.
(٣) بلغاق: فى باريس ١٨٢٢ ص ٢٩٥ ب: تلغاق.
(٤) ثلاث عشرة: ثلاثة عشر.
(٥) [خلعه من]: نقلا عن طهران ص ١١٤ ب.
(٦) التى بالبلاد: الذى ببلاد.
(٧) أماكنهم: كذا فى طهران ص ١١٤ ب، وكذلك فى لندن ٧٣٢٣ ص ١١٧ ب وأيضا فى باريس ١٨٢٢ ص ٢٩٥ ب. وفى الأصل: مساكنهم.