للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاضى قضاة الحنفية ابن العديم، وصاروا على وجل منه، فسعوا فى تعجيل قتله، فأرسلوا له أربعة من الفداوية، فقتلوه بالخناجر، وهو فى البرج بقلعة دمشق، فأصبحوا الناس يتحدّثون بذلك، وصار جماعة من الناس فى شكّ من قتله.

ثم إنّهم أخرجوه من البرج، وألقوه على مزبلة خارج المدينة، وهو عريان مكشوف الرأس، ليس عليه غير اللباس [فى وسطه] (١)، وصار الناس يأتون إليه أفواجا، أفواجا، ينظرون إليه، ويعبثون بلحيته، فأقام على ذلك ثلاثة أيام لم يدفن.

ولو أمكن مماليك أبيه أن يحرقوه بالنار، لفعلوا ذلك، مما قاسوا منه، فإنّه كان يسكر إلى نصف الليل، ويخرج فى الحوش، ويعرضوا عليه المماليك وهم فى جنازير، فيقول: «من هذا»؟ فيقولون له: «هذا فلان من طبقة الفلانية»، فيقول:

«قدّموه»، فيبطحونه على الأرض، فيذبحه بيده مثل الخروف، ثم يدوس على وجهه برجله، ويبول عليه، وكل هذا من شدّة قهره من مماليك أبيه، فكان يذبح فى كل ليلة حسبما يختار منهم، ثم يلقيهم من سور القلعة، فإذا طلع النهار، يلقونهم فى بئر هناك معطّلة، فقيل إنّه ذبح من مماليك أبيه نحو ألفين مملوك (٢).

وكان الملك الناصر معذورا منهم، فإنّه كان يسامح الواحد منهم المرّة، والمرّتين، والثلاث، وهم يغدرونه ويخامروا (٣) عليه، حتى كان يقول الملك المؤيد شيخ بعد أن تسلطن: «ما أحد من الملوك صبر كصبر الملك الناصر على مماليك أبيه، فإنّه ما كان يقتل الواحد منهم، حتى يكون [قد] (٤) سامحه مرارا عديدة، وهم يغدرونه، ولم يرجعوا».

ثم بعد قتل الملك الناصر، أقام ثلاثة أيام لم يدفن، ثم إنّ بعض الناس أتى فى الليل وحمله إلى مكان، حتى غسّله وكفّنه، ودفنوه بمقبرة مرج الدحداح، بباب الفراديس.


(١) [فى وسطه]: نقلا عن طهران ص ١١٣ آ.
(٢) نحو ألفين مملوك: كذا فى الأصل.
(٣) ويخامروا: كذا فى الأصل.
(٤) [قد]: عن باريس ١٨٢٢ ص ٢٩٥ آ.