للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان ابن غراب قد قطع، فى شهر رجب، اللحم المرتّب على الدولة للمماليك السلطانية، والأمراء، وأهل الدولة، وصرف لأربابه عن كل رطل، درهما، وسعره يومئذ ثمانية دراهم الرطل؛ فخفّت كلفة الدولة، وصار الوزراء فى راحة.

وذلك أنّ اللحم كان ثمنه فى كل يوم زيادة على خمسين ألف درهم، فنزل بالناس من أجلها أنواع من البلاء، ويمرّ بالوزير من القبّاض، إذا تأخّرت، إهانة (١) لا توصف، ويحتاج فى هذا إلى مصادرات الناس، وأخذ الأموال بأنواع الظلم؛ ولذلك كان الوزراء يعجزون عن سدّ الوزارة، فمنهم من يختفى، ومنهم من يستعفى، ومنهم من ينكب.

وكان ثمن هذا اللحم يقال له «النقد»، والذين يقبضونه من الوزير يقال لهم «المعاملون»، ولهم سلاطة، فإذا أحيلوا على أحد، استخلصوا منه بأيديهم، فإن تعاسر عليهم، نهبوا داره، أو حانوته.

وإذا لم يجد الوزير سبيلا إلى إعطائهم تلك الليلة ثمن اللحم، ولا أحالهم على أحد، أسمعوه ما يكره، ومدّوا أيديهم إلى ما يجدوه تحته من فراش، أو عنده من شئ، وأخذوه.

فزال عن الناس عامة، وعن الوزارة خاصة، بترك صرف اللحم الراتب، وتعويض أربابه عنه مالا، بلاء عظيم، وصار الوزير، بعد ما كان يحتاج إلى النقد فى كل ليلة، ولا يقدر أن ينام حتى يدفعها إلى المعاملين، أو يوزّعها على من يحيلهم عليه، قد أمن، فإنّه لا يصرف ثمن ذلك لأربابه، إلا من الشهر إلى الشهر، ومع هذا فيعطى فى الدرهم سدسه، أو سبعه، واستمرّ الأمر على هذا.

وفيه، فى خامس عشره، نودى على المثقال الذهب، بمائة وعشرين درهما، والإفرنتى بمائة، بعد مائة وخمسة وثلاثين، فتوقّفت الأحوال.

وفيه انحلّ سعر القمح، فنزل إلى ستين درهما الأردب، ونزل الشعير إلى خمسة وثلاثين، والفول إلى خمسة وعشرين الأردب؛ ونودى أن يكون الخبز ثلاثة أرغفة


(١) إهانة: إهنة.