للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتمادى الحال يوم الخميس، والجمعة، والسبت، والناس فى قلق، وبينهم قالة، وتشانيع، وإرجافات.

وفيه، فى يوم السبت هذا، نزل السلطان إلى باب السلسلة، واجتمع معه بعض الأمراء، ليصلح الأمر، فلم يفد شيئا، وكثرت الشناعة عليه، وباتوا على ما هم عليه.

وأصبحوا يوم الأحد خامس عشرينه، وقد كثروا، فطلبوا من السلطان أن يبعث إليهم بالأمير تغرى بردى، والأمير أرغون، فلما بعثهما قبضوا عليهما، وأخرجوا تغرى بردى منفيّا فى الترسيم إلى القدس.

فلما كان وقت الظهيرة، فقد السلطان من القلعة، فلم يعرف له خبر؛ وسبب اختفائه، أنّ النوروز (١) كان فى يوم السبت ثالث عشر ربيع الأول هذا، فجلس السلطان مع عدّة من خاصكيته لمعاقرة الخمر، ثم ألقى نفسه فى بحرة ماء، وقد ثمل.

فتبعه جماعة وألقوا أنفسهم معه فى الماء، وسبح بهم فى البحرة، وقد ألقى السلطان عنه جلباب الوقار، وساواهم فى الدعابة والمجون، فتناوله من بينهم شخص، وغمّه فى الماء مرارا، كأنّه يمازحه (٢) ويلاعبه، وإنما يريد أن يأتى على نفسه، فما هو إلا أن فطن به، فبادر إليه بعض الجماعة، وكان روميّا، وخلّصه من الماء، وقد أشرف على الموت.

فلم يبد السلطان شيئا، وكتم فى نفسه، ثم باح بما أسرّه، لأنّه كان لا يستطيع كتمان سرّ، وأخذ يذمّ فى الجراكسة، وهم قوم أبيه، وشوكة دولته، وجلّ عسكره، ويمدح الروم، ويتعصّب لهم، وينتمى إليهم، فإنّ أمّه شيرين كانت روميّة، فشقّ ذلك على القوم، وأخذوا حذرهم.

وصاروا إلى الأمير الكبير بيبرس ابن أخت الظاهر، واستمالوه، فخاف السلطان وهمّ أن يفرّ، فبادره الأمير بيبرس وعنّفه، وما زال به حتى أحضر الأمراء من الإسكندرية ودمياط، وأظهر الأمراء المختفيين (٣)، كما ذكر، فاجتمع الأضداد، واقترن العدى والأنداد، ثم عادوا إلى ما هم عليه من الخلاف بعد قليل.


(١) النوروز: النورز.
(٢) يمازحه: يمزاحه.
(٣) المختفيين: كذا فى الأصل.