وفى جمادى الآخرة، فيه، فى سابعه، صرف محمد بن النعمان الهوى، عن الحسبة، وتولّى الشاذلى. - وفيه، فى عاشره، اختفى الوزير تاج الدين عجزا عن تكفية اللحم وغيره من مصارف الدولة.
وفيه، فى يوم الاثنين ثالث عشره، أعيد ابن البقرى إلى الوزارة، ونظر الخاص، وصرف ابن نصر الله عن نظر الخاص.
وفيه وقع الوباء، وحدث فى الناس بالقاهرة، ومصر، وضواحيها، سعال، بحيث لم ينج أحد منه، وتبع السعال، حمى، فكان الإنسان يوعك نحو أسبوع ثم يبرأ (١)، ولم يمت منه أحد؛ وكان هذا بعقب هبوب ريح غريبة، تكاد من كثرة رطوبتها تبلّ الثياب والأجسام.
وفيه اشتدّ البرد، وعظمت نكايته إلى الغاية، فشنع الموت فى المساكن من شدّة البرد، وغلاء الأقوات، وتعذّر وجودها، فإنّ القمح بلغ مائتين وستين درهما الأردب، والقدح من الأرز خمسة دراهم، والرطل السمن إلى ستة دراهم.
فكان يموت فى كل يوم من الجوع والبرد عدد كثير، وقام بمواراتهم الأمير سودون الماردينى، والقاضى الأمير سعد الدين بن غراب، الأستادار، وغيره، سوى من يجهّز من وقف الطرحاء؛ فكان الماردينى يوارى منهم فى كل يوم ما يزيد عن مائة، وابن غراب يوارى فى كل يوم مائتين وما فوقها، والأمير سودون الحمزاوى، والأمير ناصر الدين محمد بن سنقر، الأستادار، ووقف الطرحاء، يوارون عدّة كبيرة فى كل يوم، مدّة أيام عديدة.
ثم تجرّد ابن غراب لذلك، تجرّدا مشكورا، فبلغت عدّة من واراه منهم، إلى آخر شوّال، اثنى عشر ألف وسبعمائة، سوى من ذكرنا، حتى صار يضرب به المثل، فيقال:«فصل ابن غراب»، فكان الناس يموتون موت الفجأة، ويتساقطون فى الطرقات على بعضهم.
وكان ذلك فى قوّة البرد، والشمس فى برج الدالى، وقد كثر فى الناس السعال،