للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصلح، فلم يجد بدّا من ذلك، وترك القتال، وخلع عنه آلة الحرب؛ فكفّ الأمير جكم، الدوادار، أيضا عن الحرب.

وعدّ ذلك مكيدة من الأمير سودون طاز، فإنّه خاف أن يغلب، ويسلّمه السلطان إلى الأمراء، فأشار عليه بذلك، حتى فعله، فتمّت مكيدته، بعد ما كاد أن يؤخذ، لقوّة نوروز وجكم عليه، ووقع الصلح بينهما، ولكن صلح على فساد، وصارت القلوب معمّرة بالعداوة بين الأمراء، كما قيل:

أعدى عدوّك أدنى من وثقت به … فحاذر الناس واصحبهم على دغل

فإنما رجل الدنيا وواحدها … من لا يعول فى الدنيا على رجل

فلما كان يوم السبت من الغد، رسم السلطان بأن يركب الخليفة، وشيخ الإسلام البلقينى، والقضاة الأربعة، ويتوجّهوا إلى بيوت الأمراء، ويحلّفوا كل أمير على انفراده، فطافوا عليهم وحلّفوهم، فحلفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان، وإخماد الفتنة، وأن يكونوا شيئا واحدا، ولا يغدر بعضهم بعضا، فكانت أيمانهم كما قال القائل:

حلّفتها أن لا تخون عهودها … فكأنما حلفت لنا أن لا تفى

وفيه، فى يوم الاثنين خامس شوال، طلع الأمير نوروز إلى الخدمة، فخلع عليه السلطان، وأركب فرسا خاصا بسرج وكنفوش ذهب؛ وطلع الأمير جكم فى ثامنه وهو خائف، فلم يطلع قنباى، ولا قرقماس، وطلبا، فلم يوجدا؛ فجهّز إليهما خلعتان على أن يكون قنباى نائبا بحماة، وقرقماس حاجبا بدمشق، ونزل جكم بغير خلعة، حنقا وغضبا.

فما هو إلا [أن] (١) استقرّ فى داره، نزل إليه شرباش (٢)، رأس نوبة، وبشباى، الحاجب، بطلب قنباى، ظنّا أنّه اختفى عنده، ليلبس الخلعة، بنيابة حماة، فأنكر أن يكون عنده، وصرفهما، وركب من ليلته بمن معه من الأمراء والمماليك، وأعيانهم:

قمش، الخاصكى الخازندار، ويشبك (٣)، الساقى، ويشبك العثمانى، وألطنبغا جاموس،


(١) [أن]: تنقص فى الأصل.
(٢) شرباش: سرباش.
(٣) يشبك: يشباك. وسوف يرد الاسم «يشبك» هنا فيما يلى صحيحا.