للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طفل، فلما رجع إلى الوطاق، لاموه أمراؤه (١) على ذلك، فقال: «انتظرت أنّ الله ينزل على قلبى فيهم رحمة، فما نزل على قلبى فيهم رحمة»، وكان يقول: «أنا غضب الله فى أرضه، يسلّطنى على من يشاء من خلقه»، فكان حال الأطفال مع تمرلنك، كما قال القائل:

وجرم جرّه سفهاء قوم … فحلّ بغير جانيه العذاب

وأما بقيّة أمراء مصر وغيرهم، فإنّهم لما علموا بتوجّه السلطان من دمشق، خرجوا منها طوائف، طوائف، يريدون اللحاق بالسلطان، فأخذهم العشير، وسلبوهم ما معهم، ولم يتركوا لهم غير اللباس فى وسطهم، فجرى عليهم من العربان والعشير، ما لا جرى عليهم من عسكر تمرلنك، وقتلوا العربان منهم خلقا كثيرا.

وظفر أصحاب تمرلنك بقاضى القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوى الشافعى، فسلبوه ما عليه من الثياب، وأحضروه إلى تمرلنك، فمرّت به محن شديدة، آلت إلى أن غرق بنهر الزاب، وهو فى الأسر.

وكان قاضى القضاة ولىّ الدين (٢) عبد الرحمن بن خلدون المالكى بداخل مدينة دمشق، فلما علم بتوجّه السلطان، تدلّى من سور المدينة، وسار إلى تمرلنك، فأكرمه، وأجلّه، وأنزله عنده، وصار يحدّثه، فأعجبه حديثه، فخيّرة بين أن يمضى معه إلى بلاده، أو يعود إلى مصر، فاختار عوده إلى مصر، فأذن له فى المسير إلى مصر، فسار إليها.

وتتابع دخول المنقطعين بدمشق إلى القاهرة، فى أسوأ حال من المشى، والعرى والجوع، وكان أكثرهم ينزل من البحر المالح، من على يافا، ثم يطلعون من على دمياط، ويدخلون القاهرة فى أسوأ حال، وأنحس هيئة، وقد ذهبت حرمة المملكة، وتبهدلت الأتراك عند الفلاحين وغيرهم، فرسم السلطان لكل من المماليك بألف درهم، وجامكية شهرين.

وقيل، كان تمرلنك، مع وجود هذه السطوة العظيمة، أعرج بوركه اليمنى،


(١) أمراؤه: أمرايه.
(٢) ولى الدين: والى الدين.