للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمرّ بالأوطان والسكن الذى … قد كنت أعهده بخير وافرى

لم ألق غير البوم فيها ساكنا … تبّا له من طير نحس واكرى

وقال آخر:

لله درّك كم بيت مررت به … قد كان يعمر باللذات والطرب

دارت عقاب المنايا فى جوانبه … فصار من بعدها للويل والخرب

وقد أصبحت دمشق، بعد البهجة والسرور، والنضرة والحبور، أطلالا بالية، ورسوما خالية، قد خوت على عروشها، وأقفرت من زخرفها ونقوشها، لا يرى بها دابة تدبّ، ولا حيوان يهبّ، سوى جثث قد احترقت، وصور فى الثرى قد تعفّرت، وقد صارت تكسى من الذباب ثوبا، ومنمما للكلاب ونهبا، لا يستهدى اللبيب فيها إلى داره، ولا يفطن الذكى إلى محلّ سكنه ومزاره، فإنّا لله، وإنّا إليه راجعون، لعظم هذه المصائب، وشناعة هذه النوائب، فكم توقظنا حوادث الأيام، ونحن فى ليل الغفلة نيام، فلا نعتبر على ما جرى للأنام، ولا نرجع عن ذنوبنا والآثام، وقد قيل فى المعنى:

إن ترمك الأقدار فى أزمة … أوجبها إجرامك السالفة

فادع إلى ربّك فى كشفها … ليس لها من دونه كاشفة

وقد روى فى بعض الأخبار، عن موسى، ، أنّه قال: «يا ربّ أنت فى السماء ونحن فى الأرض، فما علامة غضبك من رضاك»؟، فأوحى الله تعالى إليه:

«يا موسى إذا ولّيت عليكم خياركم فهو علامة رضاى، وإذا ولّيت عليكم شراركم فهو علامة سخطى، فلا تشتغلوا بسبّ الملوك، وتوبوا إلىّ أن أعطف عليكم قلوبهم».

وقيل لما أراد تمرلنك أن يرحل عن دمشق، جمعوا له أطفال المدينة، الذين (١) أسروا أهلهم وقتلوا، ما بين رضع، وأبناء خمس سنين، فما دونها، فجمعوا خارج المدينة، فركب تمرلنك وأتى إليهم، فوقف ساعة طويلة، وهو ينظر إليهم، ثم قال لعسكره:

«سوقوا عليهم بالخيل»، فساقوا عليهم، فماتوا أجمعين، وكانوا نحو عشرة آلاف


(١) الذين: الذى.