الرجل يقف على باب داره فى أزرى هيئة، ويلزم بما لا يقدر عليه من المال، فإذا توقّف فى إحضاره، عذّب بأنواع العذاب، من الضرب، وعصر الأعضاء، والشىّ على النار، وتعليقه منكوسا، وربط بيديه ورجليه، وغمّ أنفه بخرقة فيها تراب ناعم، حتى يكاد نفسه يخرج، فيخلّى عنه حتى يستريح، ثم قعاد عليه العقوبة.
ومع هذا كله تؤخذ نساؤه، وبناته، وأولاده الذكور، وتقسّم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير، فيشاهد الرجل المعذّب امرأته، وهى توطأ، وابنته وهى تفتضّ بكارتها، وولده وهو يلاط به، فيصير هو يصرخ بما به من ألم العذاب، وابنته وولده يصرخون من ألم إزالة البكارة، وإتيان الصبى، وكل هذا نهارا أو ليلا، من غير احتشام، ولا تستّر، ثم إذا قضوا وطرهم من المرأة والبنت والصبى، طالبوهم بالمال، وأفاضوا عليهم أنواع العقوبات، وأفخاذهم مضرجة بالدماء.
وفيهم من يعذّب بأن يشدّ رأس من يعاقبه بحبل، ويلويه حتى يغوص فى الرأس؛ وفيهم من يضع الحبل على كتفى المعذّب، ويديره من تحت إبطيه، ويلويه بعصا، حتى ينخلع الكتفين؛ وفيهم من يربط إبهام اليدين من وراء الظهر، ويلقى المعذّب على ظهره، ويذر فى منخريه رمادا سحيقا، ثم يعلّقه بإبهام يديه فى سقف الدار، ويشعل النار تحته، وربما سقط فى النار، فسحبوه منها، وألقوه حتى يفيق، فيعذّب، أو يموت فيترك.
واستمرّ هذا البلاء تسعة عشر يوما، آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين رجب، فهلك فيها بالعقوبة، ومن الجوع، خلق لا يدخل عددهم تحت حصر.
فلما علموا أن لم يبق فى المدينة شئ له قدر، خرجوا إلى تمرلنك، فأنعم بالبلد على أتباع الأمراء، فدخلوها يوم الأربعاء آخر رجب، وهم مشاة، وبأيديهم سيوف مشهورة، فنهبوا ما بقى من الأثاث، وسبوا نساء دمشق بأجمعهم، وساقوا الأولاد والرجال، وتركوا الأطفال، الرضع، ومن عمره خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميع، مربوطين بالحبال، وتركوا جماعة من الشيوخ والعجائز بالمدينة، وأسروا جماعة من القضاة والعلماء، والأعيان من التجّار، ومن عسكر مصر، ومن أمرائها، وقضاتها.