للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشغل كل أحد بما هو فيه، فغلت الأسعار، وعزّ وجود الأقوات، وبلغ المدّ من القمح، وهو أربعة أقداح، إلى أربعين درهما فضّة.

وتعطّلت الجمعة والجماعة من دمشق كلها، فلم تقم بها جمعة إلا مرّتين: الأولى فى يوم الجمعة تاسع عشر جمادى (١) الآخرة، دعى الخطيب فيها، بجامع بنى أميّة، للسلطان محمود، ولولىّ عهده ابن الأمير تمرلنك كركان.

ثم شغل الناس بعدها عن الدين والدنيا بما هم فيه، وذلك أنّه نزل شاه ملك، أحد أمراء تمرلنك، بجامع بنى أميّة، ومعه أتباعه، وادّعى أنّه نائب دمشق، وجمع كل ما كان فى الجامع، من البسط والحصر، وستر بها شرفات الجامع على البوائك، وصلّى الناس الجمعة فى شمالى الجامع، وهم قليل، وشاهدوا أصحاب شاه ملك يلعبون فى الجامع بالكعاب، ويضربون بالطنابير، ويشربون الخمر.

ثم بعد الجمعتين منعوا من إقامة الجمعة بالجامع، فصلّى طائفة الجمعة بعد ذلك بالخانقاة السميساطية، وتعطّلت سائر الجوامع والمساجد من إعلان الأذان، وإقامة الصلاة، وبطلت الأسواق كلها، فلم يبع شئ إلا ما كان مما يورد ثمنه فى الجباية المقرّرة.

وزاد بالناس البلاء، أنّ أصحاب تمرلنك لا يأخذون إلا الدراهم والدنانير لا غير، وردّوا الفلوس، فانحطت، وصار ما كان بخمسة دراهم، لا يحسب الناس فيه فيما بينهم، غير درهم واحد.

هذا، ونائب القلعة ممتنع بها، وقد حاصره تمرلنك، فخرّب ما بين القلعة والجامع بالحريق وغيره؛ ثم إنّ النائب سلّم بعد تسعة وعشرين يوما.

فلما تكامل حصول المال، الذى هو بحسابهم ألف تومان، حمل إلى تمرلنك، فقال لابن مفلح، وأصحابه: «هذا المال بحسابنا إنما هو ثلاثة آلاف ألف دينار، وقد بقى عليكم سبعة آلاف دينار، وظهر أنّكم قد عجزتم»؛ وأنّ عسكر تمرلنك، لما ملك القلعة، احتاطوا على كل ما فيها، ومنعوا أهل المدينة الخروج منها.

وكان تمرلنك لما خرجت إليه الطقزات، وفرض الجباية الأولى، التى هى ألف


(١) جمادى: جمدى.