عادة تمرلنك، إذا أخذ مدينة صلحا، أن يخرج إليه أهلها من كل نوع من أنواع المآكل، والمشارب، والدواب، والملابس، تسعة، يسمّون ذلك طقزات، فإنّ التسعة بلغتهم يقال لها طقز، فبادر ابن مفلح، واستدعى من القضاة والفقهاء والتجّار، حمل ذلك.
فشرعوا فيه حتى كمل، وساروا به إلى باب النصر، ليخرجوه إلى تمرلنك، فمنعهم نائب القلعة من ذلك، وهدّدهم بحريق المدينة عليهم، فلم يلتفتوا إلى قوله، وتركوا باب النصر، ومضوا إلى جهة أخرى من جهات البلد، وأرخوا الطّقزات من السور، وتدلّى ابن مفلح، ومعه كثير من الأعيان وغيرهم، وساروا إلى مخيم تمرلنك، وباتوا به ليلة الأحد.
ثم عادوا بكرة الأحد، وقد استقرّ تمرلنك منهم بجماعة فى عدّة وظائف، ما بين قضاة قضاة، ووزير، ومستخرج الأموال، ونحو ذلك، ومعهم فرمان، وهو ورقة فيها تسعة أسطر، تتضمّن أمان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خاصة، فقرئ على منبر جامع بنى أمية، وفتح من أبواب المدينة، باب الصغير فقط، وقدم أمير من أمراء تمرلنك، فجلس به، ليحفظ البلد ممن يعبر إليها.
وأكثر ابن مفلّح، ومن كان معه، من ذكر محاسن تمرلنك، وبثّ فضائله، ودعا العامة إلى طاعته وموالاته؛ وقيل إنّ تمرلنك قال:«هذه بلد فيها الأنبياء، ﵈، وقد أعتقتها لهم»، وذكروا عنه أنّه زار قبر أمّ حبيبة، أحد أزواج رسول الله، ﷺ، فلما زاره قال:«يا أهل الشام مثل هذا القبر يكون بلا قبّة عليه؟ فأنا إن شاء الله تعالى أبنى عليه قبّة».
وذكروا عنه، أنّه كان فى مجلسه كثيرا ما يذكر الله تعالى، ويستغفر من ذنوبه، وأنّ السبحة لا تزال فى يده، وهذا كله رياء وتصنّع، ومكر وشيطنة، وخديعة كما قال المعمار: