للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما كان يوم الخميس خامسه، قدم السلطان إلى قلعة الجبل، ومعه الخليفة المتوكّل، وأمراء الدولة، ونحو الألف من المماليك السلطانية، ونائب دمشق الأمير تغرى بردى، وحاجب الحجّاب بها، الأمير باشباى، وغالب أمرائها، ونائب صفد، ونائب غزّة، وهم فى أسوأ حال، ليس مع الأمير سوى مملوك، أو مملوكين فقط، وفيهم من هو بمفرده، ليس معه من يخدمه، وذهبت أموالهم، وجمالهم، وسلاحهم، وسائر ما كان معه، بما لو قوّم لبلغت قيمته عشرات آلاف دينار، وشوهد كثير من المماليك لما قدم، وهو عريان؛ وكان الأمير يلبغا السالمى قد تلقّى (١) السلطان بالكسوة له، وللخليفة، وسائر الأمراء.

وأما أخبار دمشق، فإنّ الناس بها أصبحوا يوم الجمعة، بعد هزيمة السلطان، ورأيهم محاربة تمرلنك، فركبوا أسوار المدينة، ونادوا بالجهاد، وزحف عليهم أصحاب تمرلنك، فقاتلوهم من فوق السور، وردّوهم عنه، وأخذوا منهم عدّة من خيولهم، وقتلوا منهم نحو الألف، وأدخلوا رءوسهم إلى المدينة.

فقدم رجلان من قبل تمرلنك، وصاحا بمن على السور: «إنّ الأمير يريد الصلح، فابعثوا رجلا عاقلا، حتى يحدّثه فى ذلك»، فوقع اختيار الناس على إرسال قاضى القضاة تقىّ الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلى، فإنّه كان طلق اللسان، يتكلّم بالتركية والفارسية، فأرخى من السور، واجتمع بتمرلنك، وعاد إلى دمشق، وقد خدعه تمرلنك، وتلطّف معه فى القول، وقال: «هذه بلد الأنبياء، وقد أعتقتها لرسول الله، ، صدقة عن أولادى».

فقام ابن مفلح فى الثناء عن تمرلنك، قياما عظيما، وشرع يخذل الناس عن القتال، ويكفّهم عنه، فمال معه طائفة من الناس، وخالفته طائفة، وقالت:

«لا نرجع عن القتال»، وباتوا ليلة السبت على ذلك، وأصبحوا وقد غلب رأى ابن مفلح، فعزم على إتمام الصلح، وأنّ من خالف ذلك قتل.

وفى الوقت، قدم رسول تمرلنك إلى سور المدينة، فى طلب الطّقزات، وهى


(١) تلقى: تلقا.