وفيه، فى حادى عشره، رحل الأمير تنم من ظاهر دمشق، وتبعه ابن الطبلاوى، فى ثانى عشره، وسار نائب طرابلس بعسكره ساقة (١)؛ وكان تنم، من حين قدم عليه أيتمش، يعمل كل يوم موكبا أعظم من الآخر، حتى قيل إنّه أعظم من موكب الظاهر، وكان يركب بالدفّ، والشبابة، والجاويشية، والشعراء، وفى خدمته من الأمراء، مقدّمى الألوف، ما يزيد على خمسة وعشرين أميرا، سوى أمراء الطبلخانات والعشرات، وجمع من التركمان جمعا عظيما.
وآخر موكب عمله بدمشق كان فيه عسكر دمشق وحلب وطرابلس وحماة، والأمير أيتمش ومن معه من المصريّين، ومن انضمّ إليهم من التركمان نحو أربعة آلاف.
فلما رأى ذلك، حدّثته نفسه بالسلطنة، واستخفّ بالملك الناصر، فكان أكثر الناس لا يشكّ أنّ الملك الناصر هو المكسور، وتنم هو المنتصر عليه، وكان أكثر الأمراء والعسكر مخامر على الملك الناصر فى الباطن، ومائلين إلى تنم، نائب الشام، والله غالب على أمره، كما قيل فى المعنى:
خف إذا أصبحت ترجو … وارج إن أمسيت خائف
ربّ مكروه مخوف … فيه لله لطائف
وأنفق تنم من الأموال على العساكر ما لا يحصى، وأنعم عليهم من الخيل والجمال والعدد وآلات الحرب بما لا يعبّر عنه، فصار فى جيش عظيم جدّا.
وفيه، فى غيبة تنم، أخذ الأمير جركس، أبو تنم، نائب الغيبة بدمشق، فى طرح ما بقى من السكّر على الناس، فكثر الدعاء عليهم بسبب ذلك؛ وكان الفساد قد عمّ بوصول العساكر إلى دمشق، وظلموا الناس خارج البلد، ونزلوا فى الخانات والحوانيت والدور والبساتين بغير أجرة، وعاثوا وأفسدوا كثيرا، لا سيما عسكر طرابلس، فلذلك أخذهم الله أخذة رابية، كما يأتى ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وفيه، فى يوم السبت تاسعه، قدم البريد من البحيرة، على الأمير بيبرس، نائب الغيبة بديار مصر، أنّ الأمير سودون المأمورى، سار بالأمراء من دمياط إلى الإسكندرية،