للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه قدم الأمير دقماق، نائب ملطية، إلى دمشق معزولا، وتوجّه منها إلى القاهرة على البريد.

وقال المقريزى فى السلوك (١)، إنّ فى سادس شوّال، أخرج ابن الطبلاوى من القاهرة، منفيّا إلى الكرك، ومعه نقيب واحد قد وكّل به، فسار ذليلا، حقيرا، وحيدا، فريدا، فسبحان مزيل النعم؛ وما زال سائرا (٢) إلى أن وصل بلد الخليل، ، فبلغه موت السلطان فتوجّه من بلد الخليل إلى القدس، فمرّ به الأمير شاهين كتك، يعنى الأفرم، وقد توجّه إلى الكرك بخبر موت السلطان، وسلطنة ابنه بعده، فسأله أن يشفع له فى الإقامة بالقدس؛ فلما ورد إلى قلعة الجبل سأل الأمير الكبير أيتمش فى ذلك، فأجابه، وكتب مرسوما إلى ابن الطبلاوى، أن يقيم بالقدس، فأقام، وكان من خبره ما يأتى ذكره، إن شاء الله تعالى.

وفيه، فى يوم الثلاثاء خامسه، ابتدأ مرض السلطان، وذلك أنّه ركب للعب الكرة بالميدان فى القلعة، على العادة، وكان ذلك اليوم شديد الحرّ؛ فلما فرغ من لعب الكرة، حضر السماط، وقدّم إليه بلشون مشوى، فأكل منه، ثم قدّم إليه عسل نحل، ورد من كختا، فأكل منه، ودخل إلى قصوره، فعكف على شرب الخمر، فاستحال ذلك خلطا رديّا، لزم منه الفراش، وحمّ جسده فى الحال، من ليلة الأربعاء، وتنوّع مرضه، حتى أيس (٣) منه لشدّة الحمى، وضعف القوى، فأرجف بموته فى يوم السبت تاسعه.

واستمرّ أمره يشتدّ إلى يوم الأربعاء ثالث عشره، فطلع عليه الورشكين (٤)، ثم حصل له الفواق، وأشيع موته، فشنع الإرجاف، وماجت الناس، وغلقت الأسواق، فركب الوالى ونادى بالأمان والاطمان، والبيع والشرى.

فلما أصبح يوم الخميس، حصل للسلطان إفاقة، فاستدعى الخليفة المتوكّل على الله


(١) السلوك: انظر ج ٣ ص ٩٣٥.
(٢) سائرا: سائر.
(٣) أيس، من اليأس.
(٤) الورشكين: كذا فى الأصل.