للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يلتفت إلى قوله، وأعرض عن ذلك، وكان ألى باى فى زعمه أنّ السلطان يزيل نعمة آقباى، فغضب من ذلك، وقال: «إن كنت ما تأخذ بتار (١) مملوكى، أنا آخذ تاره بيدى»؛ ونزل من عند السلطان على غير رضى، وتحرّك ما كان عنده من البغى الكامن.

ثم إنّ على باى انقطع فى بيته أياما، وأظهر أنّه ضعيف، وأضمر فى نفسه أن يقتل السلطان إذا دخل يسلّم عليه، وهذا عين الجهل منه، كما قيل فى المعنى:

وإذا كانت النفوس كبارا … تعبت فى مرادها الأجسام

فلما بطلت حيلته، ولم يظفر بالسلطان، وانكسر كما تقدّم، فلما قبضوا عليه، وطلعوا به إلى السلطان، ورسم بسجنه؛ فلما انفضّ الموكب، طلبه بعد الظهر فى البحرة، وخلا به، وقال له: «من ألجأك إلى هذا الذى فعلته»؟ فقال:

«ما ألجأنى إليه أحد، ولكن فعلت ذلك من قهرى منك، حيث لم تأخذ بتارى (٢) من آقباى»؛ ثم إنّ السلطان طلب المشاعلى، وأحضر المعاصير، وعصر على باى بحضرته، فلم يعترف على أحد.

وأحضر يلبغا المجنون، فحلف أنّه لم يوافقه، ولا علم بشئ من خبره، وأنّه كان مع الوزير بمصر، فلما أشيع خبر ركوب ألى باى، لحق بداره، ولبس ليقاتل مع السلطان؛ وبرّأه على باى أيضا، فأفرج عنه وأخلع عليه، ونزل إلى داره، فلم يجد بها شيئا. وقد نهب جميع أمواله، وسلبت جواريه، وفرّت امرأته، ابنة الملك الأشرف شعبان، وأخذ رخام داره وأبوابها، وتشعّث تشعيثا قبيحا.

وفى حادى عشرينه، جلس السلطان بدار العدل على العادة، وعصر ألى باى، فلم يعترف على أحد؛ وإذا بهجّة عظيمة قامت فى الناس، فلبس العسكر، ووقفوا تحت القلعة، وقد غلقت أبوابها، وأشاع بين الناس بأنّ يلبغا المجنون، وآقبغا اللكاش، قد خامرا على السلطان؛ ولم يكن الأمر كذلك، وليس لهذا الكلام حقيقة.


(١) بتار … تاره: بحرف التاء، كما فى الأصل.
(٢) بتارى: بحرف التاء، كما فى الأصل.