هذا وقد ارتجت مصر والقاهرة، وجفل الناس من مدينة مصر، وكانوا بها للفرجة على العادة يوم الوفاء، وطلبوا مساكنهم خوفا من النهاية؛ وركب يلبغا المجنون، ومعه مماليكه لابسين آلة القتال، يريد القلعة؛ واختلف الناس فى السلطان، وأرجفوا بقتله، وفراره، وتباينت الأقوال فيه، واشتدّ الخوف، وعظم الأمر؛ هذا وقد ألبس السلطان الأمراء والمماليك، وأتاه من كان غائبا منهم.
فعند ما طلع الأمير يلبغا المجنون إليه، ثار به المماليك السلطانية، واتّهموه بموافقة ألى باى، لكونه جاء هو ومماليكه بآلة القتال، وأخذه اللكم من كل جهة، ونزعوا ما عليه، وألقوه إلى الأرض ليذبحوه، فلولا ما كان من منع السلطان لهم لقتلوه، فلما كفّوا عن ذبحه، سجن بالزردخاناة، وقيّد.
ثم إنّ المماليك قبضوا على شخص من مماليك ألى باى، وهو شاد شربخاناة ألى باى، لأنّه الذى أثار الفتنة، وقاتل فى ذلك اليوم قتال الموت؛ فلما أحضروه بين يدى السلطان أمر بقتله، وقطع قطعا بالسيوف، وبات السلطان بالاصطبل.
وقد نهبت العامة بيت ألى باى، الذى تحت الكبش، وأخذوا جميع بركه وقماشه حتى رخام بيته وأبوابه، ونهبوا بيوت حاشيته، وغلمانه.
فلما تفرّق عنه أصحابه، اختفى فى مستوقد حمّام، فقبض عليه فى الليل، وأتوا به إلى بيت الأمير بيبرس، الدوادار، فتسلّمه، وحمل إلى السلطان، فقيّده، وسجنه بقاعة القصر من القلعة.
وكان سبب هذه الفتنة بين ألى باى، وبين السلطان، أنّ مملوكا من مماليك على باى تعرّض لجاربة من جوارى الأمير آقباى الطرنطاى، يريد منها ما يريده الرجل من المرأة، وصار بينهما مشاكلة، فبلغ ذلك آقباى، وكان ساكنا بجوار بيت على باى، فقبض على مملوك ألى باى، وكان عزيزا عنده، وهو شاد شربخانته، وضربه ضربا مبرحا، نحو أربعمائة عصاة [١].
فلما بلغ الأمير ألى باى ذلك، تعصّب لمملوكه، وطلع اشتكى الأمير آقباى للسلطان،