للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه، فى رابع عشره، استقرّ الأمير الكبير أيتمش، الأتابك، فى نظر المارستان المنصورى، عوضا عن ابن الطبلاوى.

وفيه طلب ابن الطبلاوى الحضور إلى مجلس السلطان، فلما حضر طلب من السلطان أن يدنيه منه، فاستدناه حتى بقى على قدر ثلاثة أذرع منه، قال له: «تكلّم»، قال: «أريد أسارّ السلطان فى أذنه»، فلم يمكّنه من ذلك، فألحّ ابن الطبلاوى فى مسارّة السلطان فى أذنه، حتى استراب منه، وأمر بإبعاده، واستخلاص المال منه.

فمضى به الأمير يلبغا المجنون، حتى خرج من مجلس السلطان إلى باب النحاس، حيث يجلس خواصّ الخدّام الطواشية، فجلس ابن الطبلاوى هناك ليستريح، وأخرج (١) من كمّه خنجر صغير (٢)، وضرب نفسه به، ليقتل نفسه، فلم يكن أنّه سوى جرح نفسه فى موضعين، وثار به من معه، ومنعوه من قتل نفسه، وأخذوا السكين منه.

ووقعت الصرخة حتى بلغ السلطان الخبر، فلم يشكّ فى أنّه أراد اغتياله وقتله بهذه السكين، فأمر بتشديد عقوبته، فمضى به الأمير يلبغا الأحمدى، الأستادار، ليعاقبه ويعصره، فكان كما قيل فى المعنى:

وإنّى رأيت المرء يشقى بعقله … كما كان قبل اليوم يسعد بالعقل

فلما نزل به الأمير يلبغا الأحمدى، نزل به إلى بيته، وعاقبه، وعصره بالمعاصير فى أكعابه، وأسقاه بالجير والملح، وضربه كسّارات، وأذاقه ما كان يفعله بالناس، كما قيل فى المعنى:

جرع كأسا كان يسقى بها … والمرء مجزى بأعماله

فلما عاقبه، ظهر له فى أول يوم، من الذهب العين، ستين ألف دينار، ثم ظهر له فى مكان آخر عشرين ألف دينار، ثم ظهر له فى مكان آخر عشرين ألف دينار.

وذكر المقريزى فى السلوك (٣)، بأنّه لما عاقبه يلبغا، فأظهر فى سابع عشره خبيّة،


(١) وأخرج: أخرج.
(٢) خنجر صغير: كذا فى الأصل.
(٣) السلوك: انظر ج ٣ ص ٨٩٧.