للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أحاط على غالب بلاده، وملكها.

وكان سبب أخذ تمرلنك لبغداد، أنّه كان كثير الحيل والخداع، فأرسل إلى القان أحمد بن أويس كتابا، وهو يترفّق (١) له فيه، ويقول: «أنا ما جئتك محاربا، وإنما جئتك خاطبا فى أختك»، ففرح القان أحمد بذلك، وظنّ أنّ هذا الكلام صحيح، فكان كما قيل فى المعنى [المقدّم] (٢):

لا تركنن إلى الخريف فماؤه … مستوخم وهواه خطّاف

يمشى مع الأجساد مشى صديقها … ومن الصديق على الصديق يخاف

فكان القان أحمد استعدّ لقتال تمرلنك، وجمع العساكر، ونفق عليهم، فلما جاء إليه قاصد تمرلنك بهذا الخبر، ثنى عزمه عن جمع العساكر، وأخذ منهم [ما كان أعطاه لهم من] (٣) النفقة، فتوجّه كل واحد من العسكر إلى بلاده؛ واستمرّ الحال ساكنا مدّة يسيرة، فما شعر القان أحمد إلا وقد دهمته عساكر تمرلنك، حتى ضاق بهم رحب القضاء، فخرج إليهم القان أحمد، وتحارب معهم.

فبينما هم فى المعركة، فتعصّبوا أهل بغداد على القان أحمد، وفتحوا لعسكر تمرلنك أبواب المدينة، وقد خافوا أهل بغداد على أنفسهم أن لا يصيبهم من أصناف ما أصاب من قبلهم فى فتنة هولاكو (٤)، فى أيام الخليفة المستعصم بالله؛ فلما رأى تمرلنك أبواب المدينة قد فتحت، دخل إليها وملكها من غير مانع.

فلما رأى القان أحمد أنّ تمرلنك قد ملك المدينة، فما وسعه إلا الهرب من بغداد، فأتى إلى جسر هناك فعدّى من عليه، ثم قطعه ومضى؛ فلما بلغ عسكر تمرلنك هروب القان أحمد، فتبعوه وخاضوا خلفه فى الماء، واستمرّوا فى طلبه ثلاثة أيام يتبعوه (٥)، فلم يحصّلوه؛ فلما جرى ذلك، أتى القان أحمد إلى حلب، فأرسل نائب حلب يعرّف السلطان بذلك.


(١) يترفق: يترقرق.
(٢) [المقدم]: عن فيينا ص ٤٨ ب.
(٣) ما بين القوسين عن فيينا ص ٤٨ ب.
(٤) هولاكو: هلاكوا.
(٥) يتبعوه: كذا فى الأصل.