للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالقتال لهم، والمحاصرة؛ فلما حاصروهم لم يطيقوا القبط ذلك، وتسحّبوا فى السفن إلى الروضة، وحصّنوا برّها بالسفن من كل ناحية، وأحدقوا بهم المسلمون من كل جهة؛ فلما رأى المقوقس ذلك، قال للقبط: «ألم أعلمكم بهذه الأحوال قبل وقوعها، فما تروا (١) الآن»؟ قالوا: «نذعن للجزية، ونعقد الصلح بيننا وبينهم».

فأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص، يقول له: «إنّى لم أزل حريصا على إجابتك إلى خصلة من تلك الخصال، التى أرسلت إلىّ بها، فأبى ذلك علىّ من حضرنى من القبط، والآن عرفوا نصحى لهم، ورجعوا إلى قولى لهم بالنصح، فأعطنى منك أمانا، أجتمع أنا وأنت، فإن استقام الأمر بيننا، تمّ لنا ذلك، وإن وقع بيننا خلف، رجعنا إلى ما كنا عليه».

فلما سمع عمرو ذلك، استشار أصحابه فى ذلك، فقالوا: «لا تجبه إلى الصلح، ولا الجزية، ونحاربه حتى يفتح الله علينا بالنصر عليهم»؛ فقال لهم عمرو: «قد علمتم ما عهد إلىّ به أمير المؤمنين، بأن أجيب إلى خصلة من هذه الخصال الثلاث (٢)، وقد طال الأمر بيننا وبينهم».

فعند ذلك اجتمع رأى الصحابة، ، على أن يفرضوا على كل رأس من القبط دينارين، وليس على الشيخ الفانى، ولا على الصغير الذى لم يبلغ الحلم، ولا على النساء شئ من الجزية، وعلى أنّ للمسلمين عليهم النزول والضيافة حيثما كانوا من القرى، مقدار ثلاثة أيام، فإن أجابوا إلى ذلك عقدنا بيننا وبينهم الصلح.

فأرسل عمرو يقول للمقوقس: «قد وقع الرأى بيننا على أن تزنوا الجزية، كما تقرّر الحال عليه».

قال ابن عبد الحكم: «كان عدد القبط يومئذ ثمانية آلاف ألف إنسان، غير الروم؛ ثم إنّ المقوقس قال للروم: «من أحبّ منكم أن يقيم بأرض مصر، فليزن الجزية، ومن أراد الخروج إلى أرض الروم، فليخرج، ولا جزية عليه».


(١) فما تروا: كذا فى الأصل.
(٢) الثلاث: الثلاثة.