للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من القتل، على أن نفترض أن يكون لكم على كل رأس من القبط ديناران، ولأميركم مائة دينار، ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وترحلوا عنا إلى بلادكم، قبل أن تحاط بكم عساكر الروم».

فقال له عبادة بن الصامت: «يا هذا أما تخويفك لنا بعساكر الروم من القتال، فنحن أرغب ما يكون فى قتالهم، فإن ظفرنا بكم، فلله الحمد، وإن ظفرتم بنا، فنحن أشوق إلى لقاء الله تعالى، والمسير إلى الجنّة، وأما ما ذكرته من المال، فنحن قوم لا نبالى بالمال، إن كثر، ولا إن قلّ».

فقال المقوقس: «أفلا تجيبونا إلى خصلة غير هذه الثلاث خصال»؟ فقال عبادة:

«لا وربّ السماء والأرض، فاختاروا لأنفسكم منهم خصلة».

فالتفت المقوقس لمن حوله من الأقباط، وقال لهم: «قد فرغ القول منهم، فماذا ترون فى ذلك»؟ فقالوا: «أما الدخول فى دينهم، فهذا لا يكون أبدا، وأما أنّهم يسبوننا، ويجعلوننا لهم عبيدا، فالموت أهون علينا من ذلك».

فقال المقوقس لعبادة: «قد أبى القوم من ذلك، فما ترى»؟ فقام عبادة وهمّ بالانصراف.

فقال المقوقس لمن حوله: «أطيعونى وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث (١)، وإن لم تجيبوا إليها وأنتم طائعين، فيجيبون إليها وأنتم كارهين»، فقالوا: «وأى خصلة نجيبهم إليها»؟ قال المقوقس: «أما دخولكم فى دينهم، فلا آمركم به، وأما قتالهم، فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولا تصبروا صبرهم، ولكن افعلوا الثالثة»، قالوا: «أفنكون لهم عبيدا»؟ قال: «نعم تكونوا (٢) عبيدا أنتم وأولادكم، إلى أن تموتوا عن آخركم».

فلما رجع عبادة إلى عمرو بن العاص، وأخبره بما قالوه القبط، فأمر جيوشه


(١) الثلاث: الثلاثة.
(٢) تكونوا: كذا فى الأصل.