للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحلّ كسائى، ولولا حرمة بيت الله لأرميت رأسه فى الحرم». فقال له عمر، : «قد أقررت بفعلك، فإما أن ترضى خصمك، وإما أن أقاصصك»، قال:

«أو تقتصّ له منى، وهو رجل فزارى سوقى، فتفقع عينى كما فقعت عينه، وأنا جبلة ابن الأيهم ملك غسّان»؟ فقال له عمر، : «قد جمعك أنت وإياه الإسلام، فلا فضل لك عليه فى القصاص»، قال جبلة: «هيهات، لقد رجوت أن أكون فى الإسلام أعزّ ما كنت فى الجاهلية، والآن أنا أتنصّر»، فقال له عمر، :

«إن تنصّرت ثانيا ضربت عنقك»، فقال جبلة: «أمهلنى إلى غد يا أمير المؤمنين»، فقال: «لقد أمهلتك إلى غد».

فلما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكّة، وسار قاصدا إلى نحو القسطنطينية، ونزل بها، وقابل ملكها هرقل، وأهدى إليه الأموال الجزيلة، وأشياء كثيرة من الجواهر والتحف التى معه، وأقام عنده باقسطنطينية (١) إلى أن مات بها، وقد سبق عليه الشقاء فى أمّ الكتاب، حتى مات نصرانيّا، بعد ما أسلم على يدى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ، وحسن إسلامه.

ولما أقام باقسطنطينية استنسل هناك نسلا كثيرا، فكثر نسله فى البلاد، وهم العرب المتنصّرة، وسكنوا ببلد تسمى كسا، بالقرب من أرض الروم، فاكتسبوا هذه العجمة فى ألسنتهم، وقد استدلّوا على أنّ الجراكسة من العرب لسمرة (٢) ألوانهم، وإلى نحافة (٣) أبدانهم.

قال قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى، فى تاريخه المستقلّ بأصلهم: «ليس من نسل جبلة بن الأيهم إلا الذى تنصّر بأرض الروم، غير القبيلة المعروفة بكسا، وهى ضيعة منعوجة عن أرض الروم، وهى أرض ذات أنهار وأشجار وفواكه كثيرة، ولها بيوت فى الجبال من الخشب كبيوت الشعر، وهى رحّالة نزّالة، ليس لهم ملك


(١) باقسطنطينية: كذا فى الأصل.
(٢) لسمرة: لسمرت.
(٣) نحافة: نحاة.