للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم عدّى وطلع إلى القلعة؛ فاستمرّت مريضة وهى بالروضة أياما.

فلما كان يوم الثلاثاء سلخ ذى القعدة، أشيع موتها، فعدّوا بها وهى ميّتة من الروضة، وطلعت جنازتها من الصليبة، ومشى قدّامها سائر الأمراء، وحمل نعشها الأمراء المقدّمين (١)، وكان قدّامها كفّارة على عدّة حمّالين، فلما وصلت إلى سبيل المؤمنى، نزل السلطان من القلعة، وصلّى عليها، وتوجّهوا بها إلى مدرستها التى أنشأتها فى التبّانة، فدفنت بها.

وكانت ديّنة خيّرة، فى سعة من المال، ولها برّ ومعروف، ولا سيّما ما فعلته فى مدرستها من وجوه الخير، وقرّرت بها حضورا وصوفة، ومكتبا للأيتام، وحوضا وسبيلا؛ وبنت الربع المعروف بربع أمّ السلطان، وبنت قيسارية الجلود التى بخطّ الركن المخلق، فأخذها جمال الدين الأستادار فيما أخذه من الأوقاف والأملاك.

فلما ماتت كثر عليها الأسف والحزن من الناس، فإنها كانت واسطة خير، تشفع عند ابنها السلطان فى أصحاب الجرائم، فلا يردّ لها شفاعة؛ ومن غرائب الاتّفاق أن لما ماتت أمّ السلطان، رثاها الأديب شهاب الدين أحمد، المعروف بالأعرج، السعدى بهذين البيتين، وهما:

فى مستهلّ الشهر من ذى حجّة … كانت صبيحة موت أمّ الأشرف

فالله يرحمها ويعظم أجره … ويكون فى عاشورا موت اليوسفى

يعنى الأتابك ألجاى اليوسفى، فإنّه كان (٢) بينه وبين السلطان حظّ نفس فى الباطن، فكان الفأل بالمنطق، ومات ألجاى اليوسفى فى عاشوراء، كما سيأتى الكلام على ذلك فى موضعه، فكان كما يقال:

لا تنطقنّ بما كرهت فربّما … نطق اللسان بحادث سيكون

وفى شهر ذى الحجّة، قدمت الأخبار من فاس ببلاد الغرب، بأنّ ملكها قد مات، وهو عبد العزيز بن السلطان أبى الحسن على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحقّ المرينى؛


(١) المقدمين: كذا فى الأصل.
(٢) فإنه كان: فإن كان.