للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تزايد أمر الجراد حتى جافت منه الطرقات والأزقّة، وحصل للناس منه وخم عظيم، حتى صاروا يشمّون البصل والقطران من شدّة رائحته الكرهة؛ فأقام على ذلك نحو أسبوعين، حتى ارتفع عن دمشق، بعد أن أفسد أشياء كثيرة من أشجارها وزروعها، فحصل بها الغلاء عقيب ذلك.

وفيه قبض السلطان على علاء الدين بن كلبك، شاد الدواوين، ووالى (١) القاهرة، فلما قبض عليه سجنه بالقلعة، فتعصّبت عليه العوام، ووقفوا تحت القلعة، ومنعوا الأمراء من الطلوع إلى القلعة، وصاروا يرجمون الناس، فأرسل السلطان إليهم بعض الأمراء، وهو يقول لهم: «إيش قصدكم»؟، فقالوا له: «قل السلطان يسلمنا علاء الدين بن كلبك، شاد الدواوين»، فلم يردّ عليهم السلطان الجواب عن ذلك.

واستمرّوا واقفين (٢) تحت القلعة إلى بعد المصر، فرسم السلطان للمماليك الذين (٣) فى الطباق أن ينزلوا إليهم، ويرموا عليهم بالنشاب فى الرملة، وقبضوا على جماعة منهم، وأودعوهم فى الحبوس، وقتل فى ذلك اليوم جماعة منهم بالنشاب، ممّن كان واقفا تحت القلعة، وهرب الباقون إلى حال سبيلهم، فغلقت الأسواق فى ذلك اليوم قاطبة.

ثم إنّ المماليك طلعوا إلى الطباق، وخمدت تلك الفتنة كأنّها لم تكن؛ ولو أنّ العوام رجعوا من حين أرسل إليهم السلطان يأخذ بخواطرهم، ما وصل الأمر إلى هذا الحدّ، ولكن لما نزلوا إليهم المماليك بالسيوف والنشاب، ورأوا عين الغلب، خافوا ورجعوا، فكان الأمر كما يقال:

سل السيف عن أصل الفخار وفرعه … فإنى رأيت السيف أصدق مقولا

ثم إنّ السلطان نادى فى القاهرة للناس بالأمان والاطمان، وخمدت هذه الفتنة من وقتها. - ثم إنّ السلطان أخلع على الأمير حسين بن الكورانى، واستقرّ به فى ولاية القاهرة، عوضا عن علاء الدين بن كلبك، بحكم انفصاله عنها.


(١) ووالى: وولى.
(٢) واقفين: واقفون.
(٣) الذين: الذى.