للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتسحّب تحت الليل، جاءوا إلى السلطان مماليك يلبغا، وقالوا له: «قم واركب معنا، وإن لم تركب معنا قتلناك».

فقام صبيحة يوم الأربعاء، وركب من الطرّانة، وجاء إلى نحو إنبابة، فصار السلطان فى برّ إنبابة، والأتابكى يلبغا فى جزيرة أروى، والعسكران يترامون بالنشّاب فى المراكب، والمكاحل بالمدافع عمّالة، وصار العسكر بين الفريقين، فرقة منهم مع الأشرف شعبان، وفرقة مع الأتابكى يلبغا، واستمرّ الحرب ثائرا بينهما حتى دخل الليل على الفريقين.

وتوجّه الناس إلى جزيرة أروى، بسبب الفرجة على المقاتلين، وما يصير بين الأشرف شعبان، وبين الأتابكى يلبغا، وقد صارت العوام يتعصّبون للسلطان الأشرف شعبان، ويقولون: «سلطان الجزيرة، ما يساوى شعيرة»، يعنى عن أنوك الذى سلطنة الأمير يلبغا بالجزيرة.

ثم إنّ الأشرف شعبان طلب ريّس النواتية، وكان شخصا يسمّى محمد بن لبطة، وكان ريّس المراكب فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاون، فقال له السلطان: «قصدى أن تعدّى بى إلى برّ بولاق»، فقال: «نعم أنا أعدّى بك»، ثم إنّه عمد إلى ثلاثين غرابا، من الأغربة التى (١) عمرها يلبغا بسبب التجريدة، فكسر بروقها وعمرها بالمقاذيف، وعدّى بالسلطان ومن معه من العسكر، فعدّى من الورّاق، وطلع به من جزيرة الفيل.

كل ذلك تحت الليل، فتوجّه من على خليج الزعفران، وطلع من بين الترب؛ فما طلع عليه النهار إلا وهو فى القلعة، فعلّق السنجق (٢) السلطانى، ورسم بدقّ الكوسات، فتسامع به العسكر، فتسحّب منهم من كان مع الأتابكى يلبغا؛ فعند ذلك تلاشى أمره، ولم يبق معه من العسكر إلا القليل.

فركب من جزيرة أروى، ولم يبق معه من الأمراء سوى الأمير طيبغا، حاجب الحجّاب، وبعض مماليك من مماليكه؛ فطلع إلى الرملة، ووقف بها ساعة، وانتظر على أنّ أحدا من الأمراء يطلع إليه، فلم يطلع إليه أحد منهم.


(١) التى: الذى.
(٢) السنجق: الصنجق.