للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبرص (١)، وهو شخص يسمّى بطرس بن ربوك، وقد شقّ مدينة الإسكندرية وهو راكب، وقد لعب عساكر الفرنج فى أهل المدينة بالسيف، واستشهد خلق كثير من المسلمين، وهلك من الناس ما لا يحصى عددهم فى الازدحام عند عبور باب المدينة.

فلما وصل هذا الخبر إلى الأتابكى يلبغا، ظنّ بأنّ هذه مكيدة من الأمير طيبغا الطويل، أمير سلاح، وكان قد دبّت بينهما عقارب الفتن، وكان الأمير طيبغا طويلا، والأمير يلبغا قصيرا، فكانا إذا ركبا تلقّح عليهما العوام الكلام، ويقولون: يا طويل خذ حذرك من القصير.

فلما كثرت الإشاعات بذلك، وتحقّق السلطان والأتابكى يلبغا صحّة هذا الخبر، رجعا إلى القلعة من يومهما، وصعد السلطان إلى القلعة يوم الأحد خامس عشرينه.

ثم إنّ السلطان نادى فى القاهرة للعسكر بالنفير عام، وكل من تأخّر من الأتراك حلّ دمه وماله، فخرج الناس والعسكر أفواجا، أفواجا.

ثم إنّ السلطان صلّى الظهر بالقلعة، ونزل وصحبته الأتابكى يلبغا وسائر الأمراء، فعدّى السلطان والعسكر إلى برّ الجيزة، وكان النيل فى قوّة الزيادة، فقاسى (٢) فى ذلك اليوم العسكر مشقّة عظيمة وقت التعدية.

ثم إنّ السلطان نصب وطاقه على الطرانة، فلما استقرّ به عيّن الأمير طيبغا الطويل، أمير سلاح، والأمير خليل بن قوصون، أمير مجلس، والأمير قطلوبغا المنصورى، والأمير كوكنداى أخو الأمير طيبغا الطويل، وعيّن صحبتهم ألف مملوك (٣) من شجعان العسكر، ورسم لهم بأن يتقدّموا جاليش العسكر إلى أن يحضر السلطان، فخرجوا من يومهم على جرائد الخيل، من غير أطلاب، ولا سنيح، ولا برك.

فلما وصلوا إلى ثغر الإسكندرية وجدوا الفرنج قد أحرقوا باب رشيد، ونهبوا جميع ما فى مدينة الإسكندرية، وقتلوا من المسلمين نحو خمسة آلاف إنسان، وأسروا النساء والأطفال، وكانت حادثة مهولة لم يسمع بمثلها.


(١) قبرص: قبرس.
(٢) فقاسى: فقاسا.
(٣) مملوك: مملوكا.