للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحمة الله عليه، نظم هذا الموشّح الذى مطلعه:

اسق العطاش تكرّما … فالعقل طاش من الظّما

وخرج إلى الناس وهو يترنّم بذلك الموشّح، فأوفى (١) النيل المبارك فى ثامن عشر توت، بعد أن قطع رجاء الناس من الزيادة فى تلك السنة؛ ولما وقع الغلاء بمصر، فرّق الأتابكى يلبغا الغلال من الشون على الفقراء، وأهل العلم، وغير ذلك من الناس.

وفى أثناء ذى الحجّة، جاءت الأخبار بوفاة المولى الفاضل الشيخ صلاح الدين أبو الصفا خليل بن أيبك الصفدى الشافعى، وكانت وفاته فى ليلة الأحد عاشر شوّال بدمشق من تلك السنة، وكان مولده سنة ست وتسعين وستمائة؛ وكان عالما فاضلا، شاعرا ناظما، وكتب الإنشاء بالقاهرة ودمشق، وباشر كتابة سرّ حلب، وله إنشاء جيّد فى المراسيم والرسائل.

وألّف كتبا كثيرة مفيدة، منها كتاب يسمّى «الوافى بالوفيات»؛ وله تاريخ كبير جدّا؛ وله تذكرة مطوّلة جدّا؛ وألّف الكتاب المسمى بأعوان النصر فى أعيان العصر؛ وشرح لاميّة العجم، وطوّل فيها كثيرا؛ وألّف كتاب «فضّ الختام فى التورية والاستخدام»؛ وألّف المجاميع الكثيرة فى فنّ الأدبيات؛ وله مصنّفات كثيرة، فى علوم جليلة مفيدة، ما ينيف عن مائة تأليف؛ ولما مات رثاه الشيخ جمال الدين بن نباتة المصرى بهذين البيتين، وهو قوله:

فقدت من الخلاّن قوما سألتهم … دوام الوفا إنّ الوفاء قليل

وإنّ افتقادى واحدا بعد واحد … دليل على أن لا يدوم خليل

ومن تغزّلات الصلاح الصفدى قوله:

أقول له ما كان خدّك هكذا … ولا الصدغ حتى سال فى الشّفق الدجا

فمن أين هذا الحسن والظرف قال لى … تفتّح وردى والعذار تخرّجا

وقوله ملغزا فى بجع (٢):

ما طائر فى قلبه … يلوح للناس عجب


(١) فأوفى: فأوفا.
(٢) بجع: بجلع.