للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو بكر، المعروف بابن أبى الكرم، فى كتابة السرّ بدمشق، عوضا عن الجمال عبد الله بن محمد بن إسمعيل بن أحمد بن الأثير؛ وأخلع على الأمير بكتمر مملوك طاز، واستقرّ به فى نيابة الرحبة.

وفى شهر شوال، وردت الأخبار بأنّ الأمير قشتمر المنصورى، لما توجّه إلى محلّ نيابته بدمشق، أقام بها أياما، وأرسل إليه الأتابكى يلبغا خلعة وتقليدا بنيابة صفد، وكان بينه وبين يلبغا حظّ نفس قديم، فولاّه نيابة صفد، بعد أن كان نائب الشام، فعدّ ذلك من النوادر، وقصد قهر الأمير قشتمر بذلك.

وفيه فرّق الأتابكى يلبغا الإقطاعات على المماليك السلطانية، وأنعم على جماعة من الخاصكية بإمريّات عشرة، وأرضى الجند بكل ما (١) يمكن؛ فاستقامت أمور الأشرف شعبان فى السلطنة، وانصلحت الأحوال، وخمدت الفتن التى كانت ثائرة بين الأتراك، ورضى كل واحد منهم بما هو فيه.

وفى هذه السنة وقع الطاعون بالقاهرة، ومات به ما لا يحصى من الناس، من صغار وكبار، ونساء ورجال؛ ثم وقع عقيب ذلك الغلاء بالقاهرة، وكان سبب ذلك، أنّ النيل توقّف عن الزيادة، حتى مضى من مسرى ستة وعشرين يوما، ثم زاد بعد ذلك، ثم نقص ثلاثة أذرع، ثم زاد فى آخر أيام النسئ، واستمرّ فى الزيادة حتى كان الوفاء فى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة، ففتح فيه السدّ، وتمادت زيادته حتى انتهت إلى أربعة أصابع من ثمانية عشر ذراعا، ثم انهبط جملة واحدة فوقع الغلاء بمصر، وتحرّك سعر الغلال.

وكان يومئذ بمصر الشيخ الصالح سيدى محمد وفا، رحمة الله عليه، فلما توقّف النيل عن الزيادة، توجّهوا إليه الناس، وسألوه أن يدعو (٢) إلى الله تعالى بأن يفى النيل، وأن يمنّ عليهم بالزيادة عن قريب؛ فدخل إلى خلوته، وخرج إلى النّاس فى اليوم الثانى وهو يقول: وفا وفا، فلذلك يسمّى: سيدى محمد وفا؛ ثم إنّ ولده سيدى على،


(١) بكل ما: بكلما.
(٢) يدعو: يدعوا.