للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يلازم الصلاة فى المسجد مع الجماعة، وكان لا يرى إلا وقت إقامة الصلاة، فإذا سلّم الإمام، عاد إلى انعكافه؛ وأشار عليه الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد بالتّزوّج، فتزوّج قرب موته، ورزق ولدين؛ وكان لا يقبل من الناس شيئا.

وجدّد عمارة مسجد الفتح بدمياط، وكان خرابا منذ سنين، فبناه على سبيل التجريد، وساعدته الناس على بنائه؛ ولما مات، دفن بجوار مسجد الفتح.

وكان سلوكه على طريقة السلف فى التمسّك بالكتاب والسنّة، وكان له كرامات خارقة، وكان يبذل جهده فى كتم حاله، والله تعالى يظهر خيره وبركته للناس؛ وقبره فى دمياط يزار إلى يومنا هذا، والدعاء عنده مجاب، قال الشهاب المنصورى:

لعمرك ما دمياط إلاّ حبيبة … تهيم الورى منها بأحسن منظر

وذات جمال إن تبسّم ثغرها … تبسّم من معناه عن عقد جوهر

لها ناظر منه تصول بأبيض … وتطعن من فتح القوام بأسمر

وفى هذه السنة أيضا، كانت وفاة (١) الشيخ سراج الدين عمر الورّاق، الشاعر الماهر، وكان من فحول الشعراء، وله شعر جيّد معين له على أغراضه، وكان لقبه قابلا للتنكيت، حتى قيل له: «لولا لقبك وصناعتك، لذهب غالب شعرك»، وكان مولده سنة خمس عشرة وستمائة، ووفاته فى هذه السنة، وهى سنة خمس وتسعين وستمائة، فكانت مدّة حياته ثمانين سنة.

وقد عاصر ابن سناء الملك، وأبا الحسين الجزّار، والنضير الحمامى، وناصر الدين حسن بن النقيب، وشمس الدين بن دانيال الحكيم، والقاضى محيى الدين بن عبد الظاهر، وأدركه الشيخ جمال الدين بن نباتة فى أواخر عمره؛ وله ديوان فى الأدبيات، يشتمل على سبعة مجلدات فى القطع الكامل، يسمى «لمع السراج».

قيل إنّ الشيخ نصير الدين الحمامى قال للسراج الورّاق: «عملت قصيدة فى الصاحب تاج الدين السبكى، وأشتهى أن تثنى عليها إذا قرئت بحضرتك»، فلما


(١) وفاة: وفات.