والرياح العاصفة، فمات من الحجاج ما لا ينحصر، حتى قيل مات منهم من العقبة حتى دخلوا القاهرة نحو من ثمانين إنسانا، ودخل الباقون مرضاء من شدة البرد العاصف المضرّ بالأجساد. ولما دخل الحاج أشيع موت الأمير بكباى الذى كان ولى مشيخة الحرم النبوى. وأشيع موت شخص من الأمراء العثمانية كان أغات الأنكشارية، توفى لما دخل إلى المدينة الشريفة ودفن بالبقيع، وكان من خيار العثمانية.
وأشيع قتل الأمير مقرن أمير عربان بنى جبر، متملّك جزيرة بين النهرين إلى بلاد هرمز الأعلى، وكان أميرا جليل القدر معظما مبجلا فى سعة من المال، وكان مالكىّ المذهب سيّد عربان الشرق على الإطلاق، وكان أتى إلى مكة وحجّ فى العام الماضى، وكان يجلب إلى مكة اللؤلؤ والمعادن الفاخرة من المسك والعنبر الخام والعود القمارى والحرير الملوّن وغير ذلك من الأشياء التحفة، قيل إنه لما دخل إلى مكة والمدينة تصدّق على أهل مكة والمدينة بنحو خمسين ألف دينار. فلما حجّ ورجع إلى بلاده لاقته الفرنج فى الطريق وتحاربت معه، فانكسر الأمير مقرن منهم وقبضوا عليه باليد وأسروه، فسألهم بأن يشترى نفسه منهم بألف ألف دينار فأبوا الفرنج من ذلك وقتلوه بين أيديهم، ولم يغن (١) عنه ماله شيئا، وملكوا منه جزيرة بين النهرين، وملكوا قلعتها التى هناك، واستولوا على أموال الأمير مقرن وبلاده، وكان ذلك من أشدّ الحوادث فى الإسلام وأعظمها، وقد تزايد شرّ الفرنج على سواحل البحر الهندى، والأمر لله تعالى. ولما رجع الحاج أثنى على الأمير جانم أمير الحاج بكلّ جميل فى حفظه للحاج ومنع الضرر عنهم، وغير ذلك من أنواع البرّ والمعروف.
وفى شهر صفر كان مستهلّه يوم الاثنين، فطلع القضاة إلى القلعة وهنّوا ملك الأمراء بالشهر، ثم عادوا إلى دورهم. - وفى يوم ثالثه خرج الأمير قايتباى الدوادار وجماعة من الأمراء الجراكسة إلى ملاقاة الأمير جانم الحمزاوى، الذى كان توجّه إلى إسطنبول وصحبته تقدمة حافلة إلى السلطان سليمان بن عثمان، أرسلها ملك الأمراء خاير بك إليه على يدى الأمير جانم كما تقدم، فأكرمه وأحسن إليه