للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد خرجت هذه السنة عن الناس على خير وسلامة، وكانت سنة مباركة وقع فيها الرخاء فى سائر الغلال قاطبة، بعد ما كان تناهى سعر القمح إلى نحو أربعة أشرفية. وكان فيها النيل عاليا عمّ سائر أراضى مصر من سهل لجبل، وثبت ثباتا جيدا إلى أواخر بابه. ومن محاسن هذه السنة خرجت عن الناس ولم يقع فيها الطاعون بالديار المصرية، ولا فى شئ من أعمالها قاطبة. ولكن وقع فى أواخر هذه السنة حوادث مهولة، منها عصيان الأمير جان بردى الغزالى نائب الشام وقتله، وما وقع بالشام من الاضطراب، فكان من ملخّص واقعة الأمير جان بردى الغزالى أنه لما استقرّ به السلطان سليم شاه فى نيابة الشام، أقام بها مدة وهو تحت طاعة السلطان سليم شاه فى الظاهر وفى الباطن بخلاف ذلك، فلما توفى السلطان سليم شاه وولى بعده ابنه السلطان سليمان على مملكة الروم، أظهر الغزالى العصيان جملة واحدة ولم يدخل تحت طاعة السلطان سليمان بن عثمان، فقاموا عليه أهل الشام من الأمراء والعسكر والعربان والعشير، وقالوا له: قم وتسلطن فما بقى قدّامك أحد تخشى منه، ونحن نقاتل معك إلى أن نقتل. فاستمال لقولهم وطاش وخفّ، وكم عجلة أعقبت ندامة، فتسلطن بالشام وتلقّب بالملك الأشرف أبى الفتوحات، وقبّلوا له الأرض، وخطب باسمه فى جامع بنى أمية وعلى بقية منابر دمشق.

فلما تسلطن قالوا له: امضى إلى مصر وحارب خير بك واملك منه مصر. فقال لهم: إن مصر فى قبضة يدى ولكن أتوجه إلى حلب وأخلّصها من أيدى العثمانية، فما يبقى خلفى التفاتة، ثم أتوجه إلى مصر. ولو أتى إلى مصر قبل حلب لكان خيرا له، وكان العسكر من المماليك الجراكسة وأهل مصر والعربان قاطبة يقلبون على ملك الأمراء خاير بك ويمضون إليه فإنه كان محببا للرعية. فلما توجّه الغزالى إلى حلب ليملكها فحاصر أهلها وأحرق غالب الضياع التى حولها، وحصل منه الضرر الشامل لأهل حلب، فلما حاصر مدينة حلب لم يقدر عليها وعجز عن ذلك. وكان الأمير جان بردى الغزالى أول ما توفى السلطان سليم شاه وولى بعده ابنه سليمان، أرسل يقول (١)


(١) يقول: يقل.